من "مع" داعش؟..

انقسم الأصدقاء على صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بشأن تقييم استطلاع محطة "الجزيرة"، الذي أشرتُ إليه في مقال أمس، ووصل عدد المشاركين فيه إلى أكثر من 55 ألف شخص، رأت نسبة 81 % منهم أنّ انتصارات تنظيم "داعش" في العراق وسورية جيدة، فيما رأت نسبة 19 % عكس ذلك.اضافة اعلان
بالضرورة، ومن البديهي القول أنّ ذلك الاستطلاع غير علمي. فهناك أسس وشروط فنية لأي استطلاع علمي؛ من مثل أن تكون العيّنة عشوائية وممثّلة، وهو ما لا يتوافر في الاستطلاع السابق. لكن ذلك لا يلغي أهميته وخطورته. لماذا؟ أولاً، لأنّ عدد المشاركين كبير من ناحية، ولأنّهم من العيّنة النشطة. فالاستطلاعات العلمية تتعامل مع فئات المجتمع بصورة عشوائية، بينما من يشارك في استطلاعات من قبيل الخاص بـ"الجزيرة"، هم النخبة المتحرّكة المتفاعلة مع الأحداث، وهي الأكثر حضوراً في المشهد. فعندما تتبرّع بالمشاركة في الاستطلاع وتعبر عن رأيها، معنى ذلك أنّها معنية بما يحدث أكثر من غيرها.
مقارنة هذه النتيجة باستطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الأردن، على صعيد الرأي العام الأردني، وباستطلاعات أخرى من مثل الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر، تظهر فجوة كبيرة. ففي هذه الاستطلاعات العلمية، أظهرت النتائج أنّ هناك نسبة كبيرة وطاغية في الرأي العام العربي تقف ضد "داعش". وعلى سبيل المثال، لا تتجاوز نسبة تأييد التنظيم في الأردن الـ 3 %.
لكن، وبرأي الزميل والصديق د. موسى شتيوي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فإنّ هذه النسبة (3 %)، ليست بسيطة عددياً؛ إذ إنّنا نتحدث بالنسبة لعدد الشباب، عما يزيد على 100 ألف شاب. وإذا قارنا ذلك بنتائج استطلاع "الجزيرة"، وأخذنا بالاعتبار توجهاتها السياسية والجمهور المتابع لها، وفقاً لشتيوي، فإنّ النتيجة التي وصل إليها استطلاع المحطة ستكون منطقية ومقنعة جداً.
في ظنّي أنّ المشكلة ليست في عموم الرأي العام العربي، بل في فئة الشباب والناشطين، والكتلة المتحركة المتفاعلة مع الأحداث. وهو ما نجد صداه في استطلاع "الجزيرة"، وفي عدد المشاركين بالآلاف من العالم العربي في تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى النسبة الكبيرة من السوريين والعراقيين السُنّة. ما يعني أنّنا أمام ظاهرة مرعبة تتجاوز الحدود، وتتجاوز أيضاً تقييم خطر التنظيم عسكرياً وأمنياً في العراق وسورية، وصولاً إلى ما يقدمه من نموذج ثقافي وفكري أصبحت لديه قاعدة، حتى وإن كانت صغيرة في مجتمعاتنا.
على الطرف الآخر، فإنّ جواب المستجيبين لاستطلاع "الجزيرة" بتأييد انتصارات "داعش"، لا يرتبط بالضرورة بقبول أيديولوجيا التنظيم ولا خطابه الفكري، وهذا ما ذكرناه مراراً؛ بقدر ما أنّ ذلك قد يعكس شعوراً بالقلق من النفوذ الإيراني والنمو المتزايد للصراع الطائفي، غير المسبوق في الواقع العربي الحديث والمعاصر، ما يجعل نسبة كبيرة من السُنّة في العراق وسورية، والمتعاطفين معهم في العالم العربي، تجد في هذا التنظيم اليوم القوة الوحيدة التي تقف في وجه إيران والقوى الشيعية الموالية لها في العراق.
حتى التعاطف مع "داعش" على قاعدة "المشاعر السُنيّة"، لا يقل خطورةً عن تأييد التنظيم بسبب أيديولوجيته، لأنّه تعاطف يعكس نمو المشاعر الطائفية وتمددها في المشهد العربي، بدلاً من ترسيخ قيم التعددية والتنوع والقبول بالآخر. لكن تتحمل القيادات الإيرانية التي استخدمت الورقة الطائفية لخدمة أهدافها الخارجية، جزءاً كبيراً من المسؤولية عن نمو حالة العداء هذه في الأوساط الشعبية العربية.
***
تنويه مهم: ذكرت في مقال أمس أنني استمعت إلى خطبة للشيخ السديس عن الصراع بين السُنّة والشيعة، وتساءلت في المقال عن الفرق بينها وبين خطاب "داعش". لكن صحّح لي أصدقاء مطلعون بأنّ الخطيب هو للأسف أردني، من التيار السلفي التقليدي، وأنّ إلصاق الخطبة بالسديس في تداول الناس كان خطأ.