من نحاسب.. وعلى من نعتب؟

لارتعابها وخوفها، رفضت السيدة السماح لطفلتها بأن تحضر ألعابها معها؛ إذ كان همها الأول والأخير هو الهرب من بطش نظام لم يبق ولم يذر.
حرصها على طفلتها دفعها إلى ترك الدار، ومن بقي حياً من الجيران! فانتصر خوفها على حبها للمكان، مقررة في لحظة أن تخرج مثل كثيرين غيرها، فروا حفاظا على حياتهم.اضافة اعلان
الطفلة ذات الأربعة عشر ربيعا بكت وهي تغادر ديارها وبيتها وحارتها، وصور أقرانها ممن لقوا حتفهم تمر كشريط في رأسها الصغير، لتسرع وتغادر؛ لا تدري إلى أين، ولكن بالتأكيد إلى بقعة أكثر أمنا وسلاما.
غادرت وفي الظن أن ظروفا أفضل تنتظرها؛ فارتدت ما تيسر من الملابس، وتركت كل ما لها خلفها. الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر، والطريق طويلة. وأخيرا، حطت رحالها. جاءت الصغيرة وسكنت المخيم مع والدتها الكسيرة التي فقدت زوجا وابنا في معارك ثورة لم تنته بعد.
لم يكن الرحيل واللجوء سهلين، والطفلة نضجت قبل أوانها، وأحست أن عمرها تضاعف مرتين على الأقل، بعد كل ما رأت من عذابات خلال عشرين شهرا من ثورة شعبها ضد الظلم والقهر والقمع والطغيان.
الصغيرة للأسف لم تكن الوحيدة التي ظنت أنها كبرت؛ فكل من حولها ظنوا ذلك، فلم يرحمها سماسرة الزواج الذين وجدوا في تزويج صغيرات سورية "بزنس"، وسبيلا لكسب المال على حساب الطفولة والبراءة.
الوالدة المحزونة أمسكت مشاعرها، وظنت أن "سترة" الصغيرة أفضل لها من البقاء في مخيم بدون حام، وخشية أيضا على طفلتها بعد أن شاعت ممارسات لاأخلاقية.
تزوجت الصغيرة، وغادرت المخيم لتسكن في بيت الزوجية مع رجل من عمر أبيها. لكن لم ينقض الأسبوع حتى طلّقها وأعادها من حيث أتت.
جاءت مكسورة، ذليلة، ومنقوصة البراءة.
بنات سورية اليوم في اللجوء سواء، وكلهن عرضة لمصير الصغيرة، إن لم يكن أسوأ! فما يتم بحق الطفولة مسكوت عنه من مجتمعات ترى في طفلة الأربعة عشر ربيعا مصدرا لتهديد شرف الأمة، فلماذا لا نزوجها ونتخلص من شرورها؟!
رجال أردنيون وعرب، للأسف، وجدوا في المتوفر من قاصرات سورية ملاذا لشهواتهم، في سوق واسعة لتزويج القاصرات، تدعي أنها تهدف إلى انتشالهن من حالة البؤس والخوف والضياع، إلى حياة أكثر أمنا.
القاصرات كن ضحايا نظام دموي قتل عشرات الآلاف، واليوم هن ضحايا مجتمع دولي ونظام عربي، لم يوفرا للاجئين السوريين ما يحتاجون من حياة كريمة بالحدود الدنيا.
العالم ترك السوريين؛ رجالا ونساء وأطفالا، بلا معين، بل تركهم ليواجهوا مصائرهم الصعبة بدون عون ومساعدة. واكتفى كل العالم بقليل من الدعم المالي، وكثير من الكلام والتنظير حول مساعدة اللاجئين السوريين، ومواقفه الرمادية من النظام والشعب.
قاصرات سورية اليوم فريسة لسوق نخاسة تتخذ الزواج غطاء، ولا يردع القائمين عليها دين أو مبدأ أو خلق.
الضحايا تركن في الدار ألعابا وعرائس، لم يعدن يحتجنها اليوم بعد أن صرن سيدات متزوجات.
الجميع مذنبون بحق قاصرات سورية؛ النظام السوري الذي شرد شعبه، والدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي.. فمن نحاسب؟ وعلى من نعتب؟