من هم العلماء؟

ثمة تعليقات متكررة من بعض القراء مفادها بأني غير مؤهل للحديث في الدين، ويستغرب أحد القراء من جرأة الناس على التحدث والخوض في الدين والطب بخاصة من غير تخصص او مؤهلات، والواقع أنها مقولة متكررة في الشأن الديني بخاصة، يقولها دائما حملة شهادات جامعية في الشريعة الإسلامية أو متدينون وأتباع في الشأن الديني، وأتلقى أنا شخصيا الملاحظة نفسها من المهندسين الزراعيين عندما أكتب عن الزراعة، ومن دارسين واساتذة في الاقتصاد عندما اكتب في الشأن الاقتصادي .. وهكذا، ولكنني أؤكد للقراء الكرام بأنني تلقيت مرة مكالمة هاتفية من الدكتور مجلي محيلان، وهو أحد كبار الأطباء وأساتذة الطب في بلدنا (وهو أيضا له حضور في الشأن العلمي والفكري) يثني على مقالة لي، وعرض لي كثيرا من الأفكار والدراسات الطبية التي تؤيد فكرتي، وإن كنت لم أفهم جزءا كبيرا مما تحدث به لي، ولكني أعتبره في المحصلة "أجازني" في الكتابة والحديث في الشأن الطبي حسب تقاليد الإجازة في التراث التعليمي الديني.

تدعي فئة من الناس حقها في توضيح الدين للناس، وحقها أيضا في مصادرة فهم الدين وعرضه وتفهيمه بحجة العلم والتخصص، وهي حجة صحيحة بالطبع في الحكم والوصف المطلق، ولكنها في التطبيق تواجه إشكالية وتساؤلات كثيرة، فمن هو العالم الذي يحق له التحدث في شأن الدين وعرضه ونقاشه؟ ومن أين جاء لأحد من الناس الشعور بالوصاية على إيمان الناس وفقههم؟

اضافة اعلان

المسألة أكثر تعقيدا وإلحاحا في الشأن الديني، لأنه شأن يخص كل متدين ومؤمن، وكل من يعتقد أنه ملزم من الله باعتقادات وأفعال و/أو أنه سيحاسب عليها (وحده فردا) بعد الموت، فهو (كل إنسان أو كل متدين على الأقل) شريك في الشأن الديني لأنه سيختار وحده الموقف والسلوك والفعل الذي يعتقد أنه الحالة الصحيحة التي هي "من عند الله" و/أو أنه ينجيه يوم القيامة، وبالطبع فإنها حالة تنسحب على كل شؤوننا في الطب والزراعة والاقتصاد والبيئة والسياسة، لأنها في حقيقتها وجوهرها شؤون تعني الناس جميعهم، وهم شركاء أساسيون فيها ويتحملون نتائجها ويدفعون تكاليفها، ولا يمنح التخصص والعلم في الشأن حقا للناس باحتكاره، ولا يعني أيضا تفويضا لهم ليقرروا (نهائيا) فالناس هم الذين يمرضون ويتألمون ويدفعون للأطباء، والصحة والمرض شأنهم وحدهم، ولا يحق للطبيب أن يقرر عنهم وحده مهما كان مستوى علمه وتخصصه لأنهم هم الذين يتألمون وليس الطبيب، وهم الذين يشفون أو لا يشفون وليس الطبيب أيضا، وهو (الطبيب) يتلقى أجره من المريض، .. المسألة أعقد من ذلك بالطبع، ولكن الفكرة الأساسية هي أن أحدا لا يمنحه تخصصه أو شهادته وصاية على شأن تعلمه.

[email protected]