من هو الأردني؟

تدخل البلد بين الحين والآخر في جدل وحوارات حيال قضايا حساسة، كان يمكن أن يُحسم الأمر حولها منذ سنوات طويلة، لولا مشيئة مراكز بعينها حبذت أن يبقى باب الخلاف مفتوحا "لغاية في نفس يعقوب".اضافة اعلان
أبرز القضايا التي ما يزال اللعب فيها قائما تتمثل بسؤال المواطنة والهوية، لدرجة تجعل سؤال من هو الأردني، مطروحا، لكن لماذا؟ فإبقاء هذا الملف معلقا وغير محسوم وجعل الباب مواربا تجاه مثل هذا النوع من القضايا الحساسة يخدم أجندات من يرون في الإصلاح خرابا لمصالحهم ومكتسباتهم التي حققوها على مدى سنوات.
ومن هذا المنطلق ظل البعض مصرا على التمييز بين الناس تبعا للأصول والمنابت، واحتفظوا بهذه الورقة لإخافة المجتمع من الإصلاح السياسي والسير بالبلد لتكون دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان. ورغم كل عوامل الوحدة التي تربط مكونات المجتمع الأردني الاقتصادية والمجتمعية من مصاهرة وغيرها، نجح هذا الفريق في خطته، ودليل ذلك أننا وفي لحظة ما نجد الناس تعود لنقطة الصفر، وهذا ناجم عن اللعب بهذه الورقة المتفجرة والتي قد لا يتوقف حد تأثيرها عند حدود ما يريده من يستخدمونها، بل قد يتطور لدرجة تصعب السيطرة عليها.
خطورة المماطلة في حسم هذه القضية تكمن في تأثيرها الخطير على المجتمع لدورها اللامتناهي في شرذمة المجتمع وتقسيم العرب إلى عربين، ولهذا نتائج أخطر في مرحلة ما بعد اندلاع الربيع العربي، التي كسرت جميع حواجز الخوف وبات من الصعب السيطرة على وتيرة الحراك السياسي وتبعاته.
اليوم نعود للمربع الأول في الحديث حول من هو الأردني، وكأن العقود التسعة من عمر الدولة لم تحسم هذه المسألة، لنجد أنفسنا وكأننا نناقش مثل هذا الموضوع الحساس لأول مرة، حيث نكتشف أن التشوه الذي أصاب المجتمع جعل آراء الناس منقسمة لدرجة مقلقة.
يبدو أن الردة عن الحياة السياسية الديمقراطية في بداية التسعينيات ساهمت أيضا في تأخير طي هذا الملف، فتأخير الإصلاح الحقيقي، ساهم أيضا في تأجيل حسم القناعات تجاهه.
الإسراع في إغلاق هذا الملف حاجة ماسة ومصلحة وطنية، خصوصا أن الخوض فيه لا يولد إلا مزيدا من الفرقة التي لا تخدم إلا أناسا بأعينهم وتأتي بخراب كبير في حال خرجت الأمور من عقالها لا قدر الله.  وكلما لاح حديث عن الإصلاح السياسي، عادت ذات الفزاعة للظهور وعدنا لما قبل المربع، لمسح نتاج عقود طويلة من عمر بناء هذا البلد الذي شارك فيه الجميع، كل بطريقته.
من يسعى لإثارة المخاوف من كلف الإصلاح، ووضع العراقيل في العجلة، هم أنفسهم وإن اختلفت مواقعهم في كل مرة، إذ كيف يمكن لنا أن نمضي لخطى ثابتة نحو التغيير المنشود ونحن ما نزال نناقش من هو الأردني؟.
المشكلة أن تضييع الوقت على النقاش في هذه القضية له كلف كبيرة، وكان يمكن أن يستثمر بشكل أفضل في حل مشاكل أكبر وأهم تمس حياة الناس في الصميم، خصوصا أن انشغال النخب بهذا الحديث لم يمنع أصحاب الحاجات من الخروج للشارع للمطالبة بتحسين ظروفهم، بدءا من التجار المحتجين على قانون المالكين والمستأجرين، مرورا بالمعلمين والممرضين، وصولا إلى المتقاعدين العسكريين والمدنيين، وغيرهم.
الأردني هو كل من يحمل رقما وطنيا، ولا يجوز لأحد أن ينكر عليه هذا الحق، ولا يقدر أي قانون أو دستور أن يحرم أيا كان من مواطنته، وجميع حقوقه بما فيها السياسية، ومن غير المقبول أيضا أن تبقى حالة الرعب رفيق الأردني من أصل فلسطيني كلما دخل دائرة الأحوال المدنية خوفا من مصير مجهول.
لدينا اليوم خريطة إصلاح متقدمة رسمها الملك، بيد أن تطبيقها يتطلب طي ملف من هو الأردني، لنتسلح بكل الأدوات التي تفضي إلى تطبيق هذه الرؤية التي أكد جلالته أن بديلها الفوضى وعدم الاستقرار، فدعونا ندفن الفزاعات ونمضي بالبلد إلى بر الأمان.

[email protected]