من هو المُعتدي؟

هآرتس

دمتري شومسكي

23/10/2016

إن الزمن هو المادة الخام الأساسية التي يستخدمها المؤرخون. لهذا فان الخطأ الأكبر للمؤرخ هو التلاعب بالزمن. والمؤرخ بني موريس أخطأ هذا الخطأ.اضافة اعلان
في مقال للرد على مقال دانيال بلتمان ("هآرتس"، 30/9) زعم موريس أنه عند اتخاذ قرار الامم المتحدة لتقسيم أرض إسرائيل الانتدابية الى دولة يهودية ودولة عربية، بدأ الفلسطينيون في اعمال العداء ضد الحاضرة الصهيونية، وتمت هزيمتهم في نهاية المطاف، والبعض منهم هرب والبعض طُرد ("هآرتس"، 7/10). ولكن هذا الزعم، الذي هو صحيح بحد ذاته، طُرح بمعزل عن الاحداث التي سبقت حرب التحرير، مع خلق الانطباع المضلل وكأن الحاضرة اليهودية القومية كانت موجودة ومستقرة لسنوات طويلة في ارض اسرائيل، الى أن تم الاخلال بذلك في العام 1948 من خلال الاعتداء الفلسطيني.
إن الحقيقة التي يعرفها موريس جيدا مختلفة تماما: الصراع الصهيوني الفلسطيني أخذ طابع الصراع القومي السياسي الوجودي ليس في العام 1948، بل مع انهيار الامبراطورية العثمانية وتوزيع الغنائم الغنية للشرق الاوسط بين القوى العظمى. إحداها، صاحبة الحساسية البروتستنتية، شكلت من بعض الأجزاء العربية وحدة جغرافية قديمة – جديدة، ارض اسرائيل الانتدابية، التي لم تكن موجودة قبل ذلك من الناحية الادارية طوال سنوات كثيرة. والتي أصبحت منذ الآن من اجل شعب التوراة – أقلية هامشية من بين سكان البلاد في تلك الفترة.
إعلان القوى العظمى، الذي تمت صياغته بلغة ساذجة سعت الى العدل، كتأييد لاقامة وطن قومي للشعب اليهودي في اسرائيل اسرائيل، شمل في ثناياه نوايا عنيفة منها تحويل أبناء البلاد من اغلبية الى أقلية. أبناء البلاد مثل كل جماعة إنسانية ذات وعي جماعي أساسي، ردوا على ذلك بالعنف. وبهذا فان ما تم اعتباره بعيدا عن السياق التاريخي بأنه عنف فلسطيني في العام 1948، كان عمليا استمرار مقاومة أبناء المكان لهذه الجهود من قبل اولئك الذين جاءوا من اجل السيطرة على وطنهم أو على جزء منه.
حسب مفاهيم صورة الماضي الصهيونية ايضا، من المؤكد أنه بالقرب من وعد بلفور، تم اعتبار العرب مواليد البلاد. في مقال من العام 1917 طرح دافيد بن غوريون الرأي الذي كان مقبولا على النخبة الصهيونية الأولى، بأن الفلاحين الفلسطينيين هم أحفاد الحاضرة اليهودية القديمة، الذين أعلنوا إسلامهم بعد الاحتلال العربي للبلاد. وأنهم شهادة على أن التواجد اليهودي المتجذر في البلاد لم يتوقف أبدا. وهذا يعني أنه يمكنك أن تكون صهيونيا ملائما، وفي نفس الوقت يمكنك الاعتراف بمولد أبناء البلاد قبل التواجد الصهيوني.
 من المعروف أن ذلك لا يلغي حيوية المشروع الصهيوني. فالصهيونية الحديثة ظهرت على منصة التاريخ كاجابة على الحاجة الاقتصادية، السياسية والهوية الثقافية للشعب اليهودي، الذي لم ينجح في الاندماج في الثقافة الاوروبية. ولأن الكثير من اليهود لهم وعي قومي والجهات المركزية على الساحة الدولية اعتبرت أرض إسرائيل وطنا قوميا لليهود، فان القوى التاريخية وظروف القرن العشرين حولت تطبيق المخطط الصهيوني الى شيء لا يمكن منعه.
من أجل الاستمرار كمصدر للأمل السياسي لتحرير الشعب، كان على الحركة القومية الفلسطينية معرفة الأساس القومي للصلة الصهيونية مع البلاد، والطابع الذي لا رجعة عنه لانجازات الصهيونية السياسية. وبالفعل، فان العناصر المعتدلة في القومية الفلسطينية توصلت في العقود الاخيرة الى مثل هذا الاعتراف. وتراجع موضوع تحرير فلسطين الكاملة، أو تحول من موقف سياسي واقعي الى حلم لا يحمل أي طابع عملي.
في تشرين الثاني 1988 تبنت م.ت.ف صيغة الدولتين واعترفت باسرائيل بشكل أحادي. وفي بداية التسعينيات حدث تغير في موقف محمود عباس من الصهيونية. كما أظهر بحث منتدى التفكير الاقليمي لـ الحنان ميلر، الذي اعتمد على دراسة تصريحاته باللغة العربية لبضع سنوات. فاذا اعتقد عباس حتى ذلك الحين أن الصهيونية واسرائيل هي ظواهر كولونيالية، نشأت وتستمر بسبب المصالح الامبريالية الغربية، فقد بدأ منذ التسعينيات  يعتقد أنه في الصهيونية توجد جوانب واضحة للمشروع القومي في البلاد. وقد بدأ منذ ذلك الحين في العمل على اقامة الدولة الفلسطينية في حدود حزيران 1967 الى جانب دولة إسرائيل.
  لكن بالنسبة لنتنياهو ولليمين في إسرائيل فان هذه التطورات لم تحدث. إنهم يصممون على الاستمرار في سرقة أراضي الفلسطينيين خلف الخط الاخضر. ومن اجل تبرير استمرار المستوطنات، يتنكرون للتغيير في الموقف لدى أوساط مهمة في القيادة القومية الفلسطينية، حيث تحول الصراع الذي لا هوادة فيه الى تسليم بالصهيونية. هكذا يقومون بنشر الاكاذيب التي تقول إنه لا فرق بين فتح وحماس وبين عباس وعرفات، هؤلاء واولئك ما زالوا يتمسكون بالحرب التي لا هوادة فيها ضد إسرائيل.