من هيروشيما إلى فوكوشيما: مأساة الطاقة النووية

الدخان يتصاعد من مفاعل فوكوشيما الياباني بعد الزلزال الأخير - (أرشيفية)
الدخان يتصاعد من مفاعل فوكوشيما الياباني بعد الزلزال الأخير - (أرشيفية)

ترجمة مدني قصري

فيليب بونس
(لوموند) 2011/8/05    اضافة اعلان
لا شك أن 6 و9 آب (أغسطس) 1945 – وهما اليومان اللذان سقطت فيهما القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي– حدثان تاريخيان سيظلان يسكنان مثل الهوس، ذاكرة اليابانيين. لكن ثمة حدثاً آخر سيسجل في التاريخ الوطني: إنه 11 آذار (مارس) 2011، يوم الزلزال الذي أعقبه تسونامي، والذي نتج عنهما تعرّض مفاعل فوكوشيما النووي لأخطر كارثة نووية منذ كارثة تشيرنوبيل في 26 نيسان (أبريل) 1986.  صحيح أن ثمة فرقا كبيرا ما بين بلد مهزوم، مع مئات الآلاف من الأشخاص الذين ماتوا في الحال نتيجة الذرّة، وآخرين كُتب عليهم الألم والمعاناة مدى الحياة، وما بين كارثة نووية لا أحد يستطيع أن يحدد تبعاتها الكارثية، لكنها تظل رغم ذلك محصورة في إقليم محدد.
فالشهادات التي يحملها الناجون من هيروشيما وناجازاكي أثناء مراسم إحياء ذكرى الضحايا، ستحمل هذه السنة، قدرا أكبر من الوجع والألم. تُرى، كيف لا تولي دولة اكتوى شعبها بنار الذرة، اهتماما بالمخاطر التي تسببها الذرة- وبالأحرى في بلد خاضع لقوة الهزات الباطنية.
من معرض الشهادات والآراء التي ما انفك اللوبي النووي يقصيها وتتجاهلها وسائل الإعلام، بدأ اليابانيون يستشعرون خلفية الكارثة التي يقيسون كل يوم سعتها المتزايدة. فهم يشعرون بِرِهان نخبهم الآثمة التي لم تقدّر حجم المخاطر الحقيقية. وفيما وراء مشاكل القيادة الجيدة المطلوية من مُشغّلة مفاعل طوكيو، أي مؤسسة "إلكتريك كو (تيبكو)"، ومسألة "هل أنت مع الطاقة النووية أو ضد؟"، تطرح مسألة الدولة التي لم تعرف كيف تحمي الأمة، ومسألة المنتخبين الذين خذلوا تطلعات ناخبيهم المشروعة نحو الأمن. وقد تجاهلت الدولة والنواب الشعب، إن لم يكونوا قد استولوا على حق هذا الشعب في إشعاره وتنبيهه بوجود الخطر.
بعد مرور خمسة أشهر، ما يزال المعنيون عاجزين عن التحكم في الحادث. ويجري عبثا البحث عن مسؤولين عن كارثة يختلط فيها نقص الاحتياط بالتعتيم، وتزوير الوثائق، والأكاذيب، والتلاعب بالرأي العام. "فعلى غرار ما حدث في تشيرنوبيل لا أحد يظطلع بمسؤولياته"، هكذا  يقول "كنزابورو أوه"، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب. كيف يمكن للأمور أن تكون غير ذلك. فالإهمال يختلط بالتواطؤ ما بين الإدارة والمتعاملين، ومصنّعي المفاعلات، ووسائل الإعلام الكبرى التي تعكس ثقة الخبراء بما يسمى هنا بـ "القرية النووية".
لا شك أن كارثة فوكوشيما تفجر أزمة ثقة تطال المؤسسات: بيروقراطية ما انفكت منذ استعادة نظام عصر الميجي (نهاية القرن التاسع عشر، فترة انتفال اليابان إلى العصر الحديث) تدير البلاد بغطرسة، وتزحزح السياسة إلى المركز الثاني. وبنجاح بالتأكيد. لقد صنع "المثلث الحديدي" (الادارة والسياسة والأعمال)، من اليابان المهزومة، واحدة من أولى القوى الاقتصادية في العالم. 
لكن "من دون خسائر أيضا"، كما تشهد على ذلك التلوثات التي حدثت في الستينيات والسبعينيات، ومنها أمراض ميناماتا (التلوث بواسطة الزئبق العضوي الذي أفرغه في البحر أحد المصانع الكيماوية)، وآلاف من الموتى، ومن المعوقين مدى الحياة. فحتى في تلك الأثناء لم تدافع الدولة عن المواطنين: فالضحايا هم الذين كافحوا لسنوات طويلة حتى يضعوا حداً لإنكار المسؤولين صلة التلوث بالمرض. 
وعلى غرار سكان ميناماتا الذين اكتشفوا، بعد أن ظنوا أن المصنع الكيميائي سيجلب الازدهار لمنطقتهم، أن هذا المصنع سيجلب الموت أيضا، قلت على غرار هؤلاء، شعر الكثير من اليابانيين أنهم قد خُدعوا في ثقتهم المفرطة في تكنولوجيا زائفة ما فتئ المعنيون يمدحون مزاياها حتى في الكتب المدرسية.   
هكذا يكتشف اليابانيون أن الدولة لم تتزود بالأدوات اللازمة للتحكم في "أداة" خطيرة – هيئات مراقبة الطاقة النووية تابعة لوزارة الاقتصاد، والتجارة والصناعة – مهمتها العمل على ترقية هذه الصناعة- وأنها أفسحت المجال وفتحت الأبواب لنشوء احتكارات إقليمية قوية أنشأتها شركات الكهرباء التي ما انفكت تفرض معاييرها. وعندما حاول موظفو وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة تكسير هذه المعايير، في التسعينيات، سارعت السلطة بوسائلها القمعية، إلى إخماد هذه المحاولة.
وفضلا عن ذلك، أقنعت الدولة الجماعات المحلية بالموافقة على إنشاء هذه المفاعلات، مقابل طوفان من التمويلات. لكن معظم السكان لم يوافقوا على المشروع: فمنذ العام 1973 رفع معارضون للمشروع دعاوى قضائية أمام المحاكم ضد أصحاب هذه المشاريع النووية، متذرعين بالهزات الأرضية والتسونامي. وقد كانوا دائما يخسرون هذه الدعاوى، وظلت ذرائعهم مهملة من قبل وسائل الإعلام. وبحكم الاقصاء من الجيران، والتحذير المتواصل من قبل أصحاب المشاريع، انتهى أصحاب الدعاوى إلى الاستسلام في النهاية. 
بعد مرور ستة وستين عاما على هيروشيما وناجازاكي، ها هي ذي اليابان تقع ضحية للذرة مرة أخرى. لكن اليابان، هذه المرة، مسؤولة عن الكارثة. ففي خلال هذا العام سوف تضيف حركة "مؤتمر اليابان" ضد القنبلة الذرية "جينسويكين" (Gensuikin)، وهو أقوى حركة مناهضة للطاقة النووية، والتي أنشئت العام 1965، إلى شعارها: "لا مزيد من هيروشيما! لا مزيد من ناجازاكي! لا مزيد من فوكوشيما!"
لقد برهنت اليابان في الماضي قدرتها على أن تعيد بناء نفسها بنفسها. ومن المرجح أنها ستثبت هذه القدرة مرة أخرى. لكن العقد الاجتماعي ما بين الدولة والأمة قد بدأ ينحقق بالفعل، هذه المرة! 


*نشر هذا المقال تحت عنوان: D'Hiroshima à Fukushima, la tragédie du nucléaire

[email protected]