من يتقن الشفافية؟

في الوضع الطبيعي، لا يكون الصحفي الاقتصادي خصماً للمسؤول صاحب القرار الاقتصادي في حال لم يكن لدى هذا الأخير ما يخفيه من أخطاء. وتماماً كما أن البورصة هي مرآة لأداء القطاعات الإنتاجية، فإن الصحافة الاقتصادية هي مرآة لواقع حال الاقتصاد. ولذلك، يجب على المسؤولين المعنيين عدم الخشية مما تكتبه الصحافة، لأن المستثمرين أذكياء، يميزون الغث من السمين؛ وهم قادرون أيضاً، بحكم ما لديهم من وسائل وأدوات، على التحقق من دقة المعلومات، والوصول إلى قراراتهم الاستثمارية بناء على قناعاتهم. فليست التغطيات أو الأخبار الاقتصادية هي العامل الوحيد في دفع أو إبطاء الاستثمار.اضافة اعلان
تقول القاعدة العالمية المعروفة: إن غياب الشفافية يخدم ترويج الإشاعات والتكهنات. وفي الدول المتحضرة، يسارع أصحاب القرار الاقتصادي الأذكياء إلى إطلاع الرأي العام على حقيقة ما يجري في أي قضية، بوسائل وأدوات مختلفة، من خلال وسائل الإعلام المؤثرة، فيقطعون الطريق على التخمينات.
دعونا من استخدام العبارات التي لا تمت بصلة إلى الواقع، والاتهامات من نوع "إنهم يعملون ضدنا"؛ لقد باتت هذه العبارة وأمثالها بالية وفاقدة الصدقية. ويفترض أن يعي المسؤولون الاقتصاديون أن أسباب انتشار أخبار اقتصادية غير صحيحة أو منقوصة، كما يزعمون، ناتج في جانب منه على الأقل عن إغلاقهم باب الاتصال والتواصل مع الإعلام، واعتمادهم فقط على من حولهم لإيصال رسائلهم عن الأجواء. فلا يصح بعد ذلك، أن يغدو كل من يجتهد في نشر معلومة بالمتاح القليل "يعمل ضدنا".
إن طبيعة العمل الصحفي الاقتصادي تعتمد التحليل والحصول على المعلومة الدقيقة من أي مصدر متاح، ولا تقتصر على المسؤول وصانع القرار وحده، الذي يملك أو لا يملك الوقت للتواصل مع الآخرين.
إن الذي يعترض على أي خطأ في الأرقام أو المعلومات التي تنشر، باعتبار أنه يتسبب بضرر لا تحمد عقباه للاقتصاد الكلي أو الجزئي، هو نفسه المسؤول عن نقص المعلومات. وعندئذ، ينبغي أن لا يعتب ويصر على عدم سماع وجهة النظر الأخرى، حتى وإن اختلف معها.
ينبغي أن نؤمن بالشفافية وبالأدوات المبتكرة لتحقيق هذه الشفافية؛ وأن يتم إطلاع الرأي العام على الحقيقة. وأذكر في هذه المناسبة أن الحملة التي طالبت بالشفافية وحق الحصول على المعلومات في الصين، قادها رجال أعمال وأصحاب شركات، قبل أن يطالب بها الصحفيون؛ لأن الشفافية هي الشيء الذي يلتقي الجميع على ضرورة توفيره. وقد تبنت العديد من المؤسسات الدولية متطلب الشفافية والإفصاح كشرط مسبق للتعامل مع الأطراف الأخرى، احتراماً لحق الجمهور في معرفة الرأي الصحيح والصائب.
خلال الأسبوعين الماضيين، انتهت المراجعة الخامسة لبرنامج التصحيح الاقتصادي الوطني مع صندوق النقد الدولي؛ ونحن الآن على أبواب إعلان مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2015، وهناك العديد من القضايا التي تستحق المتابعة ومعرفة التفاصيل. فلا يجب أن يقتصر الأمر هنا على البيانات الصحفية التي صدرت عن "الصندوق"، ثم تصريح وزير المالية الذي نشرته وكالة الأنباء الاردنية (بترا). بل يحتاج الأمر مزيدا من الشفافية والإفصاح عن أوضاع المالية العامة والاقتصاد الوطني بصراحة، لاسيما وأن بعض المؤسسات الدولية تجري الآن مراجعاتها لتصنيف الأردن.
وربما يكون الوقت مناسباً الآن للحديث عن الآفاق المستقبلية لاقتصادنا في ظل الظروف الراهنة؛ ومنها إيجابيات هبوط أسعار النفط عالمياً، على سبيل المثال لا الحصر.