من يحكم العالم!

بدا السؤال في الندوة التي عقدت في منتدى عبد الحميد شومان بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي لمناقشة كتاب "من يحكم العالم؟" مغويا للمثقفين والمهتمين الذين حضروا الندوة، لكن الكثير منهم أحبطوا لأنهم لم يحصلوا على إجابة للسؤال، فالكتاب ليس على غرار كتب شهيرة مثل "أحجار على لعبة الشطرنج" و"لعبة الأمم" و"بروتوكولات حكماء صهيون"، وغيرها من الكتب والروايات، مثل "العملية حبرون"، و"تحطمت الطائرات عند الفجر" والتي تلاقي إقبالا واهتماما كبيرين على مدى العقود الماضية، والحال أن الكتاب وضع عنوانا مثيرا وملفتا لكنه قدم تحليلا علميا عميقا ومملّا لشبكة التأثير في النفوذ والموارد والاتجاهات العالمية والوطنية في الدول والمجتمعات.اضافة اعلان
لا يعرف أحد الحقيقة، إن وجدت ابتداء، ولذلك يظل العلم والبحث والفضول أيضا، ونحن نذهب إلى الندوات والمحاضرات ونقرأ الكتب أو نذهب إلى قاعات السينما بما في ذلك من جهد وتكاليف، أملا في أن نعرف، ويراهن صانعو الأفلام ومؤلفو الكتب والباحثون والعلماء والروائيون والمشعوذون على أن في العالم من الفضول ما يكفي لتنجح كتبهم وأفلامهم وقصصهم والعجائب والخوارق الموعودة!
تستهوي المؤامرة كنظرية لتفسير الأحداث والاتجاهات كثيرا من المثقفين والجمهور، لكنها أيضا، وإن كانت حقيقة موجودة، كفكرة عامة لا يمكن إثباتها أو نفيها، وما يقدمه كتاب ومثقفون وناشطون عن المؤامرة لا يختلف مهما بدا متماسكا عن الافتراضات والتحليلات المستمدة من النظريات العلمية ومن المصادر المتاحة في كونها جميعا محاولات للمعرفة، فما يقال عن المؤامرة يفترض أنه معلومات خفية لا يعلم بها إلا المتآمرون، ولا يمكن الوثوق بالمعلومات التي يزعم المؤمنون بالمؤامرة أنها دليل أو وثائق سرية أو متسربة فمن يجزم بأن المتآمرين أنفسهم هم من قدم أو سرب هذه المعلومات والوثائق؟
والحال أننا نعيش الأساطير الرمزية والتاريخية كل يوم في حياتنا ومحاولتنا للمعرفة والارتقاء، وكأن الأساطير ليست سوى رمز يختزل قصة الحياة بما هي كد يائس ونبيل لا يتوقف لأجل المعرفة والخلود، ففي سعي الإنسان للخلود لم يجده بعد لكنه أنشأ العلوم والحضارة والدواء وراكم التجارب حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم وما سنصل إليه في المستقبل، وكأن أسطورة جلجامش هي أحداث يومية واقعية نعيشها جميعها، .. وكأن سيزيف هو كل واحد منا، وفي تكراره الدائم المتواصل لحمل الصخرة إلى رأس الجبل ثم العودة من جديد تمضي الحياة حياتنا جميعا.. وليس لنا فيها سوى الأمل، وكأن السعادة هي الوهم، وكأن الدليل هو السراب، فنغرق في التعاسة حين نفقد الوهم، ونضيع طريقنا حين لا نرى السراب!
لم نعرف من يحكم العالم لكننا تأملنا في مكونات القوة والتأثير والنفوذ مثل السلطة والجيوش والدين والعائلات والتجارة والاقتصاد والعولمة ثم تحولاتها الجارية والتي تغير فيها اليوم جذريا بسبب الحوسبة والشبكية، وكأن العالم يفكك ويعاد تركيبه من جديد على نحو يبدو فوضويا وغير يقيني.