من يرفع اسم فلسطين لا يهزم أبدا

ماهر أبو طير يرفع المقدسيون علم المغرب فوق بوابة باب العامود، بعد فوز المغرب في مباراته ضد البرتغال، حالهم حال العرب الذين احتفلوا من قلوبهم بفوز المغرب، مباراة بعد مباراة في المونديال. ولأهل القدس مع المغاربة تاريخ، وكثير من الحجاج المغاربة الذين كانوا يؤدون الحج أو العمرة، كانوا يزورون القدس في رحلة عودتهم إلى المغرب قبل مئات السنين، من أجل ما يسمى "تقديس الحج"، أي اتباع الحج بزيارة المسجد الأقصى، وهي عادة شائعة لدى شعوب عربية كثيرة، من أبرزها أهل بلاد الشام، وتحديدا هنا في الأردن الذين كانوا في أغلبهم يقدسون حجهم، بعد عودتهم بفترة، من خلال زيارة القدس القريبة، والأجداد يحكون هنا حكايات تقديس حجهم. قصة المغاربة والقدس، تستحق أن تروى بكل تفاصيلها، إذ إن عائلات مقدسية كثيرة اليوم، تعود في جذورها إلى المغرب والجزائر، تحديدا، وللمفارقة يقوم الاحتلال الاسرائيلي كل يوم باقتحام المسجد الأقصى المبارك عبر بوابة المغاربة المجاورة لحارة المغاربة التي هدمها الاحتلال كاملة العام 1967، وأصبحت اليوم ساحة عند حائط البراق، أو ما يسمى "المبكى" كانت شاهدا على قصة المغاربة في كل المشرق العربي، وهذه الحارة كان قد جاور بها المجاهدون المغاربة الذين قدموا من شمال أفريقيا للفتح الصلاحي، وأوقفها عليهم الملك الأفضل بن صلاح الدين. في الوقت الذي يقول فيه مدرب المنتخب المغربي، إن الفوز الأخير، فوز لكل أفريقيا، ويتعامى عن مشاعر كل العرب والمسلمين في قارات الدنيا، قاصدا، أو بحسن نية، يبقى الانجذاب العربي للمغرب وتاريخها كبيرا جدا، وذات خطأ التعبير على لسان المدرب المغربي، يتورط به زعيم معروف في تغريدة له اعتبر فيها الفوز المغربي، انتصارا لكل أفريقيا، مع إدراكنا أن المغرب جزء من أفريقيا لكنها جزء من الهوية العربية الإسلامية، وحشد المشجعين العرب معهم في المونديال دليل ذلك. ثلاثية المونديال تقوم على ثلاثة، السجود لله بعد كل فوز، وبر الأمهات القادمات مع اللاعبين المغاربة، وفلسطين التي لا تغيب في المباريات، وهي ثلاثية تتكرر في أغلب المباريات، دون أن ننكر هنا احتراف اللاعبين وتعبهم، وجدهم واجتهادهم، ليبقوا مشهد فخر لكل العرب في هذا الزمن. الإنسان العربي مرهق، على كل الجبهات، وهو متفوق على الصعيد الفردي، ونجد بينهم آلاف العلماء والخبرات في العالم، لكن نقطة ضعفنا الأساسية ترتبط بالعمل الجماعي، ولربما أثار فوز المغاربة الأمل في نفوس الناس، ولا يحق لأحد الانتقاص من رغبة الناس بالفرح، وكأنه مكتوب علينا الهزائم وتردي الحياة في كافة المجالات، من المشرق وصولا إلى أبعد نقطة في المغرب. القدس أم جامعة، ولا يشقى أهلها عند رفعهم راية المغرب فوق أسوارها، لأن للمغاربة أقارب ها هنا، ولأن المغرب تعد جزءا من تاريخ عربي إسلامي، عميق يصل في حدوده إلى الأندلس، والذي يقرأ تاريخ المغرب، يدرك أننا أمام مكون حيوي من أمتنا، لهم تاريخهم العريق في كل الأحوال. بين باب المغاربة، الذي يسطو عليه الاحتلال، وحارة المغاربة التي هدمها الاحتلال، عائلات مقدسية مغربية، وراية المغرب التي تم رفعها، وراية فلسطين التي رفعها المشجعون المغاربة في كل مكان، ليقولوا إن فلسطين حاضرة، ولا تغيب عن وجداننا على المدى، كانوا كذلك عبر التاريخ، وسيبقون في مقبل الأيام، بما يذكر الناس، بحقيقة كونهم أمة واحدة، مهما تشظت بنيتهم. هناك في غرف الاحتلال المعتمة من يقرأ المشهد بعمق كبير، بعد أن ظنوا أن هذه الأمة تم تفتيت روحها الجمعية، وتحطيمها، لكنهم اكتشفوا أن مشجعين يحملون أكثر من عشرين راية عربية يشجعون فريقا واحدا هو المغرب، وأن المشترك بين كل هؤلاء هو الهتاف لفلسطين التي قد تكون الفائز المؤكد في هذا المونديال، حتى لو لم تشارك به، بلاعبي كرة القدم. من يرفع اسم فلسطين، لا يُهزم أبدا، فاز بمباراة أو خسر مباراة، لأن فلسطين قيمة فريدة تتجاوز الأفراد، وتصرفاتهم الإيجابية أو السلبية، في هذه الحياة وتقلباتها الكثيرة. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان