من يصنع الأجندة السياسية؟


في السابق، كنا نعرف تماما كيف تصنع الأجندات العامة، ومن يقف وراء القضايا التي تشغل الرأي العام. واليوم، علينا التنبه إلى حجم التغيير الذي أصاب المجال العام، كما يبدو في تعدد اللاعبين والقوى المؤثرة التي تسهم، بشكل أو بآخر، في تصعيد القضايا العامة وفي مسارات النقاشات العامة. تُرى، هل تعكس هذه القوى والأدوات تعددا حقيقيا؟ وهل ننتظر تغيرا في طريقة تعبير القوى التقليدية عن مصالحها؟ وهل ما تزال القوى المقابلة التي تدعو إلى التغيير غير قادرة على تغيير طريقتها في التعبير عن مصالحها؟اضافة اعلان
عاش الأردن مراحل متعددة من تاريخه في العقود الأخيرة، كانت البلاد تدخل في دوران حول ذاتها في البحث والنقاش والسجال والشجار حول قضايا لا ندري كيف تطفو على السطح، وكيف تصبح الشغل الشاغل للرأي العام، ولطالما نقلنا هذا الدوران الى حالة من الدوار السياسي والغيبوبة المجتمعية.
في المجتمعات الديمقراطية، تمارس وسائل الإعلام المستقلة الدور الأساس في تشكيل الأجندات العامة، حينما تتوفر لها إمكانية الوصول إلى المعلومات، فتتمكن هي بالتالي من توفير قناة حرة لتدفق المعلومات للمواطنين. ثمة حقيقة علمية هنا تقول إن قراءة وفهم نظام المعلومات السائد؛ أي محتوى النقاشات والرسائل المتبادلة في أي مجتمع، يمكنان من فهم القوى المتحكمة فيه وإلى أين يذهب.
في الأردن، نلاحظ كيف يتم تصعيد قضايا عامة تصبح الشغل الشاغل للرأي العام، وتتحول إلى أجندة رسمية تتسابق النخبة السياسية إلى التفصيل بشأنها. وكذلك، كيف تغيب تلك القضية وتُسحب من المجال العام، وكأن ثمة قرارا اتخذ بوقف النقاش بشأنها، وربما من دون أن تُحسم. وثمة عشرات القضايا التي يمكن من خلالها رصد كيف عجز النظام الاتصالي والإعلامي تحديدا عن متابعتها، وكيف صمتت النخب، من دون مبررات، عن متابعتها. وفي المقابل، كيف تصنع قضايا جديدة، وأخرى مكررة ومعادة، من دون طائل، لإشغال الرأي العام، فيما يتم الصمت، وأحيانا التستر على قضايا أكثر أهمية وتأثيرا بالمصلحة العامة؟
تلك الأسئلة وغيرها تنتقل في تحليل القوى المؤثرة في تشكيل الرأي العام الأردني، من مستوى التحليل النخبوي التقليدي، إلى مستوى آخر يستند إلى حاجات الناس وأولوياتهم الفعلية. وهذا لا يمكن أن يتم بدون فهم السياق الثقافي والتنموي السائد.
يعتمد هذا المنظور العلمي على أربع أدوات أساسية تحسم بناء الأجندة بين المجتمع والدولة، وتعمل على تصعيد القضايا العامة وجمع المطالب ومراقبة المخرجات. وأولى هذه الأدوات هي النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ أي قادة الرأي، ويقصد بذلك الأشخاص الذين يملكون القدرة على التأثير في السلطة والمؤسسات التنفيذية والتشريعية، بغض النظر عن وجودهم داخل تلك المؤسسات أو خارجها، وبغض النظر عن المواقع التي يشغلونها، أو المؤسسات السياسية التي ينتمون إليها. أما الأداة الثانية، فهي النظام السياسي الذي يحسم في نهاية الأمر الأولويات. وعادة ما يعتمد تعامل النظام السياسي مع الأجندة على قيمه وحاجته إلى الاستقرار والتوازن. وتتمثل الأداة الثالثة في النظام الاتصالي السائد، وفي مقدمته نمط وسائل الإعلام السائدة وأدوار المؤسسات الثقافية. أما الأداة الرابعة، فهي مؤسسات المجتمع المدني؛ من أحزاب ونقابات وغيرها. وهنا يبرز السؤال: أين الناس وحاجاتهم، وهم مادة الرأي العام ومن يشكله؟ 
الأصل أن الأدوات الأربع السابقة تتنافس وتتكامل في التعبير عن تلك الحاجات، وفي خلق الرضا العام. لكن المشكلة لدينا أن تلك الأدوات لا تعمل لحساب الناس، بل تعمل لمصالحها، وعين كل منها على كسب ود الأخرى؛ فالحكومة تعمل وعينها على كسب وسائل الإعلام أو احتوائها، والنخب تعمل وعينها على كسب ود السلطة.. وهكذا! لذا، يبقى السؤال حول من يصنع الأجندة السياسية في الأردن، ومن يؤثر في عناصرها، وكيف نضع الناس في مركز صناعة الاهتمامات العامة؟