من يقف على الطرف الآخر؟!

يتضمن تقرير نُشر مؤخراً على موقع "الجزيرة نت"، من إعداد الزميلة هديل صدّيق، معلومات ومعطيات جديدة عن تزايد حجم وجود حزب الله والنفوذ الإيراني في المناطق الجنوبية لسورية (في محافظة درعا)، التي يسيطر عليها النظام السوري وأصدقاؤه. وهي معلومات منسوبة إلى قيادات في "الجبهة الجنوبية" المقرّبة من الأردن.اضافة اعلان
التقرير يتحدث عن آلاف العناصر من هذه المليشيات. وإذ لم يكن هناك مصدر محايد يمكن الاعتماد عليه في تدقيق الأرقام، فإنّ ثمة مؤشرات أخرى سابقة تؤكّد على أنّ عين إيران (وحزب الله) ما تزال على المثلت الجنوبي الغربي الواسع (ريف دمشق، ودرعا، والقنيطرة)، وتعتبره منطقة استراتيجية. لذلك، عاجلاً أم آجلاً ستكون هناك محاولات جديدة بهذا الصدد.
سابقاً، أيضاً، كانت هناك محاولات، منذ العام الماضي، على أكثر من مرّة. ومع كل محاولة، كان الأردن يرسل تحذيرات بأنّه لن يقف مكتوف اليدين أمام أي اجتياح لدرعا، لأنّ ذلك يشكّل خطراً استراتيجياً على الأمن الوطني الأردني، من ثلاث زوايا رئيسة: أولاً معضلة اللاجئين؛ وثانياً نقل المواجهات إلى المناطق الحدودية مباشرة؛ وثالثاً أن البديل عن "الجبهة الجنوبية" والجيش الحرّ سيكون تنظيم "داعش"، الذي وجد له بالفعل قدماً في ريف درعا الغربي، وشكّل ما يسمى "جيش خالد بن الوليد" هناك، وإن كان ما يزال هذا التنظيم محاصراً من قبل "الجبهة الجنوبية" و"جيش الفتح" (أحرار الشام + فتح الشام "جبهة النصرة سابقاً").
ما يزال الأردن يعتمد على القناة الدبلوماسية عبر الروس في إيصال رسائله بخصوص درعا. وحتى اللحظة، وبالرغم من الخرق الذي حدث سابقاً، عندما قام النظام باحتلال قرية الشيخ مسكين، فإنّ حالة "التهدئة" بين الجيش الحرّ والنظام قائمة. لكن الأيام المقبلة قد تحمل تغييرات جوهرية على هذا الوضع، بخاصة إذا تمكن النظام السوري من حسم معركة حلب الشرقية.
الرهانات الأردنية، غير المعلنة، تتحدث إلى الآن عن أنّ مرحلة "ما بعد حلب" ستتمثل في انتهاء الروس من مخططهم بتأمين المدن الرئيسة لصالح النظام السوري (دمشق، اللاذقية، حمص، حماة، وحلب)، وسيفكّر الروس جديّاً في تنشيط الحلّ السياسي، بعدما يكونون قد حسموا "ميزان القوى" على الأرض لصالحهم، وسيترك أمر الرقّة للأميركيين وحلفائهم الأكراد لإنهاء وجود "داعش" هناك.
إلا أنّ السؤال المطروح هو: ما إذا لم يكتف حلفاء النظام السوري بما أنجزوه في حلب، بخاصة عندما نتحدث عن أجندة إيران-حزب الله، فقرّروا إنهاء الوضع في الغوطة الشرقية تماماً، وتهجير "المجتمع السني" هناك، عبر ما يقومون به من عمليات "هندسة ديمغرافية-طائفية" واضحة للعيان، وفي الوقت نفسه زادوا حجم الضغط على درعا والوصول إلى الحدود الأردنية والسيطرة عليها مرّة أخرى؟
لا يمكن استبعاد هذا السيناريو. والخيارات الأردنية "محدودة" في التعامل معه، مع تغير الظروف الدولية والإقليمية لصالح كفّة المحور الإيراني-الروسي، الذي يدعم النظام السوري. فما هو موقف الأردن ومعه الولايات المتحدة الأميركية والفرنسيون والبريطانيون؟
الجانب الآخر من المعادلة يتمثّل في المنظور الأوسع لما يحدث في العراق وسورية، ما بعد معارك الموصل وحلب والرقة. فإذا انتهى تنظيم "داعش"، وتمكن النظامان السوري والعراقي من استعادة أغلب المناطق، ومنها المناطق الحدودية مع الأردن، فهذا يعني، أولاً، أنّنا على تماس مباشر للمرة الأولى مع النفوذ الإيراني، وهي حالة غير مسبوقة، لأنّ تأثير إيران اليوم أكبر مما سبق. وثانياً، أنّ المليشيات التي لا تحتفظ بصورة جيدة للأردن، وتظهر العداء له، ستكون هي الأخرى الطرف الآخر على الحدود، ونعني هنا، "الحشد الشعبي" في العراق، وحزب الله في سورية.