مهرجان جرش: "فرجة شعبية".. إلى متى؟

د. عبدالحميد الصباغ

هذا العام أيضا نكتب عن مهرجان جرش، ونقول إنه ما يزال يراوح مكانه: فرجة شعبية.. سمك، لبن، تمر هندي.
في المرات السابقة، طالبنا القائمين على المهرجان تحديد هوية مهرجان الدولة الأردنية؛ "مهرجان جرش للثقافة والفنون"، لكن الجواب ما يزال غائباً، ويبدو أنه غير موجود، لا في ذهن ولا في سياسات وزارة الثقافة، ورئيس اللجنة العليا للمهرجان.
كما طالبنا، ومنذ عدة أعوام، أن تكون للمهرجان سمة ثقافية، وفنية، وتراثية معينة. وقلنا حينها: لماذا لا يُجرى نقاش عميق وموضوعي، تُدعى إليه مجموعة من الخبراء والفنانين والعارفين بالتراث الأردني والعربي، والمطلعين على واقع الأغنية الأردنية والعربية المعاصرة، من أهل الصنعة والموضوع؛ ليرسموا تصوراً أردنياً وعربياً للمهرجان، يتم تبنيه والالتزم به، وتسير على خطاه وزارة الثقافة والقائمون على المهرجان، وليصبح لجنة عُليا تُشكل المرجعية الوحيدة للمهرجان بأبعاده كافة. إلا أنه لم يحدث شيء من هذا القبيل حتى الآن. فما تزال وزارة الثقافة، ورئاسة اللجنة العليا على موقفها، وبقي المهرجان على حاله؛ بلا لون، ولا طعم، ولا رائحة.
فما نطالب به تفعله جميع مهرجانات الدنيا، والعربية منها، مثل مهرجان قرطاج، وبعلبك، والجنادرية السعودي الذي أصبح مهرجاناً يعكس التراث الشعبي والفني والحرفي للمملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية، وبلغ عدد زوار المهرجان الأخير مائة ألف شخص في اليوم الواحد.
قلنا في المرات السابقة، ونقول هذا العام: ماذا أضاف مهرجان جرش طيلة عمره المديد إلى مسيرة الحركة الفنية والثقافية في بلادنا؟ لا شيء.. أليس كذلك؟ هل أحيا مهرجان جرش العتيد زخم وألق الأغنية الأردنية، كما كانت في ستينيات القرن الذي مضى؟ هل ركز المهرجان على التراث، من أدب شعبي وفلكلوري، وأعمال يدوية وحرفية؟ هل ساهم في رفع سوية الذائقة العامة من رواد المهرجان؟.. أسئلة نضعها برسم الإجابة أمام وزارة الثقافة والقائمين على المهرجان، ونضيف: لماذا كل هذا التركيز على "نجوم" المسرح الجنوبي وفعالياته القادمة من خارج الحدود، وترك القسم الأكبر، والأهم، من رواد المهرجان، لما يسمى فعاليات الساحة الرئيسة، حيث التجول مشياً على الأقدام في هذه الساحة، وفي شارع الأعمدة، لمشاهدة "الفرجة الشعبية"؛ مهرجان جرش للثقافة والفنون؟
ثم نقول: لماذا لم ينجح المهرجان، وهو ابن الثلاثين عاماً، في تنظيم الدخول إلى الموقع الأثري المعروف، بطريقة حضارية وإنسانية، خاصة إلى المسرح الجنوبي؟ حيث ما تزال الحواجز والتقاطعات، والأبواب اللولبية، وما ينتج عن ذلك من اختناقات "ومدافشة"؟ أعرف أكثر من عائلة جاءت من عمان ودفعت أثمان البطاقات، لكنها عندما رأت هذا الواقع رفضت الدخول إلى المسرح الجنوبي، وخرجت من وسط الزحام، و"اكتفت من الغنيمة بالإياب".
تقول التسريبات إن عدد رواد المهرجان لهذا العام قليل جداً، وأن عدد المهتمين بالقطاع الإداري والتنظيمي كان الأبرز والأكثر حضوراً ووجوداً بين رواد المهرجان. مدرجات المسرح الشمالي كانت شبه خاوية، وخاصةً فعالية المغنية والفنانة الموريتانية الكبيرة المعلومة بنت الميداح، إذ لم يزد عدد الحضور عند بداية الحفل على عشرة أشخاص (أحدهم صاحب هذه السطور)، وبقي العدد قليلاً جداً لمثل هذه الفعالية النوعية حتى بعد أن فُتحت أبواب المسرح بالمجان. وما أزال أتذكر كلام عريف الحفل المؤثر والجارح عند تقديم الفنانة الموريتانية، والذي وَصَل، كما اعتقد، إلى مسامع إدارة المهرجان.
حتى الشعر تم تقزيمه هذا العام، عندما نُقل من مسرح أرتيمس المناسب لإلقاء الشعر، والمعتاد في كل عام، إلى ضوضاء وفوضى الساحة الرئيسية، فراح "الشعراء" يقرأون الشعر على أنفسهم ومن دون جمهور. ولا نفهم كيف وافقت رابطة الكتاب الأردنيين على هذا الوضع!
الحرف اليدوية ومعروضات شارع الأعمدة كانت خاوية بلا زبائن طيلة أيام المهرجان. والعديد من أصحاب الأكشاك توقفوا عن عرض منتجاتهم منذ الأيام الأولى للمهرجان.
نكتب هذا لأننا مع المهرجان واستمراريته؛ ندافع عنه، ونخاف على مستقبله، ونطالب بتطويره. ونقدم الشكر والتحية للقائمين بالدور الأمني بقطاعاتهم كافة، على جهودهم المضنية والخيرة، التي حققت الأمن والأمان لرواد المهرجان. ونتطلع إلى مهرجان العام المقبل لنشاهد مهرجاناً يرتقي، ويكون مهرجان الدولة الأردنية.

اضافة اعلان