مهنة تدقيق الحسابات هل من مراجعة؟

محمد البشير

مهنة تدقيق الحسابات تلعب دورا مهما في حماية اقتصاديات الدول، خاصة في دول العالم الحر بعد أن تعثرت تجربة ملكية الدولة لوسائل الانتاج وعلى وجه التحديد بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتعاش أصحاب الأفكار الرأسمالية الذين أداروا الصراع الذي احتدم ما بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي ما بعد الحرب العالمية الثانية، رغم ان (تاتشر) وبعدها (ريغن) سبقا ذلك عندما كفوا يد الحكومة بالتدخل في الشأن الاقتصادي وقاموا ببيع ملكية الدولة لأدوات الانتاج المختلفة للقطاع الخاص في نهاية السبعينيات سواء كانت هذه الملكية في قطاع الصناعة أو الزراعة أو الخدمات، مترافقا ذلك مع حملة شملت التعديلات على التشريعات الضريبية تجلت بشكل خاص بتخفيض الضرائب على دخول الاغنياء بشرائحها المرتفعة وباحلال الضرائب غير المباشرة (المبيعات والجمارك) المحصلة من عموم الطبقات بدلا من ذلك، كسياسة مالية حديثة تتواءم مع توجه قوى رأس المال في تأكيد مبدأ دور اليد الخفية في إدارة شؤون الاقتصاد.
هذا الواقع عزز من دور مهنة تدقيق الحسابات، كانعكاس لتضخم اقتصاد السوق وجعل من مدقق الحسابات الخارجي الاهم كرقيب حقيقي على إدارة منشآت القطاع الخاص، استنادا إلى أن دور مدقق الحسابات كممارس للمهنة يتخطى قيامه بالتأكيد على صحة وموضوعية المستند الذي يدقق، أو وجوده كرقيب يردع مسبقا الاستخدام السيئ للادارة في اتخاذ قراراتها التنفيذية اليومية بالإضافة إلى التأكد من مدى سلامة واتفاق هذه القرارات مع التشريعات المنظمة لعمل هذه المنشآت وقرارات الهيئات العامة، هذه الادوار المهمة تؤكد مرة اخرى على الدور المحوري للمدقق في حماية أموال المنشآت بشكل عام وخاصة حقوق الاقلية باعتبار ان الأغلبية هي من تدير وتتحكم بالمنشأة بشكل عام، والمتمثل في قدرته على امكانية التأشير على مكامن الخطر على الاقتصاد الوطني برمته من حيث حق الخزينة في الحصول على حقوقها المالية من المواطنين ومن حيث ربط ذلك في مسؤولية الحكومات على تلبية حاجات الناس في خدمات تعليمية ، صحية ، نقل وثقافه بكل تجلياتها وضمان حياة حرة كريمة تضمن للمواطنين فرص عمل مناسبة تجعل من نسب البطالة والفقر في حدودها الدنيا وهذا لن يتحقق الا بنمو اقتصادي يفوق نمو السكان من جهة ويحقق عوائد مناسبة للدولة لمواجهة النفقات العامة التي تحتاجها تلك الخدمات التي تم الاشارة اليها سابقا من جهة ثانية.
ان اختصار دور مدقق الحسابات بالتأكيد على عدالة البيانات المالية، لم يعد كافيا وانما الحاجة اليوم أصبحت أكثر الحاحا في ان يقول المدقق كلمته في أسباب فشل المنشآت في تحقيق مؤشرات اقتصادية ايجابية بعد مرور ثلاثة عقود على اتباع هذه الحكومات للسياسات المالية والاقتصادية التي نسختها عن الغرب في نهاية القرن الماضي والتي عكسها الفريق السياسي والمالي الذي ادار ملفنا الاقتصادي منذ منتصف التسعينيات والتي تجلت بالخصخصة والاعتماد على الضرائب غير المباشرة (المبيعات، الجمارك) بدلا من المباشرة (الدخل) في رفد الخزينة بالأموال.
ضمن السياق أعلاه تأتي أهمية ان تكون مهنة تدقيق الحسابات لها الأولوية في اهتمامات الحكومة باعتبارها الأداة الأولى في تحقيق موارد الخزينة فالمدققون هم من يستطيع ان يضمن سلامة البيانات المالية ودقة الضرائب المستحقة للخزينة بموجبها وحقيقة المستندات والفواتير والدورة المستندية التي تتعامل معها المنشأة لتثبيت ايراداتها ونفقاتها والمدققون القانونيون هم من يستطيعون أن يتنبأوا في قدرة المنشأة على الاستمرار من عدمه بالإضافة إلى اقتراح التعديلات المناسبة على التشريعات التي تساعد في تحقيق آمال وطموحات المواطنين في تحقيق العدالة من حيث توزيع الثروة سواء كان ذلك بصورة مباشرة عبر الرواتب والدخول أو كان ذلك من خلال حصيلة عادلة للخزينة تعكس خدمات تعليمية، صحية، نقل وغيرها الكثير التي تدخل ضمن مهمات الحكومة، هذا الدور ايضا يرتبط مباشرة بالتأشير الصحيح على أسباب الانكماش الاقتصادي من ناحية الكلفة التمويلية للمشاريع، فأسعار الفوائد مثلا موضوع مهم في رفع كلفة المنتجات الصناعية والزراعية والخدمية على حد سواء فالمدققون بامكانهم ان يؤشروا على الأهمية النسبية لكلفة التمويل ودوره في تعثر المشاريع بالإضافة إلى كلفة الطاقة وتأثيرها على قدرة السلع المنتجة أو الخدمات المقدمة من منافسة السلع المستوردة أو الخدمات التي سمحت بها اتفاقية التجارة الحرة من الدخول لاسواقنا وخاصة منها المستوردة من الصين أو دول شرق آسيا.
ان مهنة التدقيق وشقيقاتها المختلفة بحاجة إلى دعم ورعاية، بقدر المسؤولية الملقاة على عاتق العاملين بها، خاصة ونحن نتحدث عن مرحلة التعافي التي دون تظافر جهود الدولة الأردنية والقطاعات المهنية، لن نحقق المراد الذي طال انتظاره.

اضافة اعلان

*المحاسب القانوني