مواجهات حماس – حلّس

تعتبر مواجهات عائلة حلّس مع مليشيا "حماس" المسيطرة على قطاع غزة الفلسطيني، وهرب العشرات إلى الجانب الإسرائيلي، معالم فشل مزدوج لحركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين.

اضافة اعلان

فعلى صعيد حركة "فتح"، تؤكد المواجهات التي تأتي على خلفية اتهامات "حماس" لعناصر في العائلة، ينتمون لحركة "فتح" بالمسؤولية عن تفجير ضد عناصرها، أنّ الحركة لم تتمكن من بلورة تنظيم وتحرك مدني ميداني قادر على حمايتها ونصرتها. وأنّ الحركة لم تنجح في اكتساب ثقة شعبية، تبرئها من اتهامات التورط في عمليات اقتتال داخلية، وتجعلها خارج دائرة الشبهات. كما فشلت في إيجاد حالة شعبية سلمية للاعتراض والرفض لسياسات حركة "حماس" بعيدا عن المواجهات العسكرية، التي ربما تفضلها "حماس"، ولم نشهد رد فعل سلميا أو شعبيا منظما من قبل أنصار حركة "فتح" في غزة على ما يحدث، ما يعني أنّ هؤلاء الأنصار لم يعودوا موجودين، أو أنّهم لا يفهمون ولا يعرفون ما يحدث، أو لا يثقون ببراءة العناصر الذين تتهمهم "حماس"،  والأكيد أنّهم يفتقدون لقيادة قادرة على تحريكهم كحركة شعبية ووطنية. ولم تستطع "فتح" أن توجد تنظيما موحدا أو واضح المعالم مما جعل العائلات ملجأ ووسيلة، وجعل بعض قادة الحركة يعتمدون على رابطة الدم العائلية في حشد الأنصار، وهو أسوأ فشل يمكن أن تمنى به حركة تدّعي أنّها وطنية وشعبيّة وادّعت يوما أنّها ثورية، ويعني الفشل في طرح برنامج وطني يستقطب تأييدا شعبيا، وبالتالي يتم الاعتماد على العصبيات القبلية، والمصالح الضيقة. كذلك فشلت فتح في محاسبة الفاسدين فيها، وتأكيد براءتها ووطنيتها، وأوضحت المواجهات أنّ فتح تعيش مشاهد النهاية بالفعل وسط عجز وترهل على كل المستويات.

على صعيد حركة "حماس" فإنّ أشد مؤيدي الحركة لم يدافع عن سياسات الاعتقال والمداهمة والملاحقة والتفتيش الشاملة لجميع أطياف حركة "فتح" في غزة، ولكثيرين من غير أعضاء "فتح" من المحايدين، وممن كانوا يوما مقربين من حركة "حماس"، من مثل عمليات التفتيش والدّهم بحق النائب في المجلس التشريعي، وزير الخارجية السابق، زياد أبو عمرو،  وإغلاق إذاعة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وعشرات الجمعيات والمؤسسات الثقافية والإعلامية، وذلك بدون أي غطاء قانوني أو مؤسسي. واعترف الناطق باسم الحركة، سامي أبو زهري، صراحة، بأنّ الاعتقالات لقيادات حركة "فتح"، في غزة، ليست مرتبطة بالأحداث على الأرض بل هي "رد فعل" على اعتقالات في صفوف "حماس" في الضفة، وهو ما يعني ضمنا أنّ "حماس" حتى إن اعتبرت الأساليب في الضفة الغربية خاطئة فهي مستعدة للعمل بذات المنطق، وأنّ حماس، تنتظر أي فرصة لقمع كل من لا يؤيدها ولا يبرر ما تفعله.

وتدل حملة اعتقالات غزة، أنّ "حماس" غير صادقة في الادّعاء أنها تواجه "تيارا" داخل حركة فتح، فقد تم اعتقال أشخاص من أمثال زكريا الآغا، وإبراهيم أبو النجا (الذي سبق لحماس أن اعتقلته وحلقت شنبه) وهؤلاء كما تعلم "حماس" هم من ينافسون أو يقفون داخل فتح مقابل "التيار" الذي تصفه "حماس" بالخياني والعميل.

ويثير وقوف سعيد صيام، على رأس هذه الحملة، تساؤلا، عن مكانته القانونية، فبأي صفة يتحرك، فإذا كانت حكومة اسماعيل هنية، التي كانت تسبق انقلاب "حماس" في غزة، تدّعي أنّها الحكومة الشرعية، فإنّ صيام لم يكن عضوا فيها، ولا يوجد سند قانوني أو سياسي يسمح له بهذا الدور. ما يجعل الأكثر صدقا واتساقا مع النفس، لحركة "حماس" أن تعلن أنّها قامت بانقلاب، وأنّها لم تعد تعترف بالرئيس المنتخب، وطبعا يمكن لها أن تتذرع بأغلبيتها البرلمانية، مع أن هذه الذريعة في ظل وجود رئيس منتخب، له صلاحياته القانونية والدستورية، تؤكد أنّه لا يمكن الاطمئنان لالتزام "حماس" بأي نصوص دستورية أو قانونية مستقبلا.

كذلك فإنّ مبالغة "حماس" في توجيه الاتهامات، واتهام المئات بالخيانة، والقول بأنّ هناك عائلات كاملة متورطة، أمر كارثي، لأنّه يعني تصنيف شرائح واسعة فلسطينية ضمن دائرة الخيانة، وبالتالي انتهاء أي شعور وطني داخل الشعب الفلسطيني، وأي مبرر لتأييد الفلسطينيين من الخارج، فما معنى التركيز على كميات الأسلحة التي تجدها "حماس"، فمن البديهي أن يكون لدى عناصر "فتح" وغيرهم أسلحة متنوعة ومن مصادر إسرائيلية وغيرها، فهم كانوا وكثير منهم لا يزال ضمن صفوف المقاومة، وهو ما لا يعتبر أخلاقيّا لحماس أن تنكره.

ووجود عائلات كبيرة بكاملها ضد "حماس" يعني فشلها، في كسب تأييد داخل عائلات بأكملها، وفي تطبيع الحياة في غزة. أمّا قضية اللجوء لإسرائيل، فهي في جزء منها، دليل أنّ المستفيد مما يحدث هو إسرائيل، وأنّها سعيدة بما يحصل في غزة، وتعلم "حماس" مسؤوليتها الجزئية في ذلك، وربما هذا سبب حديث "حماس" عن إطلاق سراح من يثبت عدم تورطه في الأحداث (من العائدين من إسرائيل)، وهو إقرار بأنّ عمليات "حماس" كانت واسعة وقاسية ودون تمييز، كما يثير مشهد عناصر "فتح" بملابسهم الداخلية يقادون من قبل عناصر "حماس" مشهدا مرعبا، حول العقلية التي تقود مليشيات "حماس".

تنحدر فتح وحماس كثيرا في استخدام أي أدوات وأية ذرائع في صراعهما، ويفشلان في بناء وحدة وطنية، وفي بناء استراتيجيات وطنية، أي يفشلان في إثبات جدارتهما بقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي ثقة الشعب الفلسطيني وأنصاره. وتثبت المواجهات الأزمة الهيكلية المتزايدة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني.