مواجهة الأزمة بالاستثمار في الحمايات الاجتماعية

في الوقت الذي يعد أمرا مهما متابعة ورصد تأثيرات أزمة فيروس "كورونا المستجد" على الاقتصاد الوطني، لفهم التغيرات التي أحدثتها الأزمة على مختلف القطاعات الاقتصادية والمجتمعية، فإن تطوير أفكار لكيفية مواجهة تداعيات الأزمة لا يقل أهمية عن ذلك.اضافة اعلان
نتفهم أن أولوية الحكومة في الجانب الاقتصادي خلال الشهرين الماضيين كانت الحفاظ على استقرار المالية العامة، من خلال تقليص الانفاق العام الى أقصى مدى ممكن، والحصول على أكبر قدر ممكن المساعدات الخارجية والداخلية (قروض ومنح)، لتعزيز نقص الإيرادات العامة.
الا أن الاقتصاد أوسع كثيرا من ضبط المالية العامة للحكومة (على أهميتها)، وعلينا أن نذهب (الحكومة وجميع شركائها) للعمل باتجاه ترميم ما تضرر من القطاعات الإنتاجية المختلفة، وضمان دخول للأفراد والأسر تضمن لهم الاستمرار في الحياة، وتضمن للعاملين شروط عمل لائقة.
مختلف المؤشرات تفيد أن هنالك عشرات الاف العاملين في القطاع الخاص – المنظم وغير المنظم – فقدوا وظائفهم بشكل كلي أو بشكل جزئي، ونتائج الدراسة التي أجراها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية التي صدرت قبل يومين تفيد أن الضربة التي تلقاها الاقتصاد الأردني عميقة، وأن تداعياتها الاجتماعية ستكون عميقة أيضا.
لا يوجد وصفة واحدة لمواجهة هذه المخاطر المختلفة، الا أن تعزيز منظومة الحمايات الاجتماعية يجب أن يشكل محورا لأية سياسات اقتصادية يمكن اتخاذها لمنع التراجع في مختلف هذه المؤشرات.
أولى الأولويات تبدأ بزيادة الاستثمار بالحمايات الاجتماعية وفق أسس توسيع المشمولين بها من جهة، وتنويع الحمايات التي توفرها من جهة أخرى، وهذا يعني بالضرورة التخلي عن المنهجية المستخدمة حاليا، التي تعتمد استهداف الفئات الفقيرة والمهمشة فقط، اذ أثبتت الأزمة الأخيرة قصور هذا المنظور في حماية المجتمع.
كذلك علينا المباشرة بإعادة بناء منظومة الضمان الاجتماعي افقيا وعاموديا بحيث يتم تطوير أدوات حمائية تشمل جميع المواطنين، سواء أكانوا عاملين أم غير عاملين، وتفعيل كافة الحمايات الموجودة في قانون الضمان الاجتماعي الحالي لتوفير تغطيات تأمين البطالة لجميع المتعطلين، وتوفير الرعاية الصحية لجميع مشتركي المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.
الاستثمار في حماية المجتمع يعني بالضرورة دعم منشآت الأعمال المتضررة والمهددة بالخروج من السوق، لتمكينها من الصمود، والحفاظ على العاملين لديها والحفاظ على دخولهم، ما يعني إعادة النظر بمجمل السياسات التي طبقتها الحكومة منذ بدء الأزمة حتى الان.
صانع القرار عليه أن يتنبه الى أن استمرار العمل بالسياسات الاقتصادية الحالية ستعيق عملية الخروج من حالة الانكماش التي دخلها الاقتصاد الوطني، حيث تراجع الأجور والقدرات الشرائية للأفراد والأسر، وبالتالي تراجع الطلب المحلي.
لا نعيش حالة من الترف لتأجيل اصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، اذ أن الاحتقانات الاجتماعية وما يترتب عليها من اضطرابات وعدم استقرار هي النتيجة الحتمية لزيادة معدلات البطالة والفقر والاقصاء.