مواجهة انفضاض الجمهور

خلال العقد الأخير، ولأسباب عديدة، عانت الفعاليات الثقافية في الأردن من عدم اهتمام كبير من قبل الجمهور، ما أفقد تلك الفعاليات واحدا من أهم أهدافها، وهو التثقيف والتنوير والتوعية. أسباب هذا الانفضاض الجماهيري عديدة ومتشعبة، جزء تتحمله المؤسسات الراعية للثقافة، وجزء آخر بسبب تعقيدات الحياة، والصعوبات الاقتصادية، وارتفاع كلف الحياة، وحتى الازدحامات المرورية تدخل من ضمن هذه الأسباب. في طبيعة عمل المؤسسات نلاحظ على الدوام أن ثمة أجندة مزدحمة جدا في بعض المواسم، بحيث تكون هناك أكثر من فعالية في اليوم الواحد، بينما تخلو مواسم معينة من الفعاليات، إلا ما ندر، كما نلاحظ أن ضيوفاً عربا من خلفية ثقافية واحدة أو متشابهة، يحلون ضيوفا على عمان خلال فترة زمنية متقاربة، أو في نفس الفترة، ما يؤشر إلى خلل كبير في التنسيق بين الهيئات والمؤسسات الثقافية، الأمر الذي يضع الجمهور في حالة تشتت. لكن، هناك مؤسسات وجمعيات ثقافية تهتم، فقط، بأن تكون أجندتها السنوية مليئة بالفعاليات، من غير تمحيص كبير في طبيعة تلك الفعاليات، ومدى أهميتها أو القيمة المضافة التي تحملها، أو الرسالة الحقيقية التي تؤديها. لذلك بتنا نرى كثيرا من الفعاليات التي لا تمتلك أي نكهة أو أهمية، وهي فعاليات لا يهتم بها أي نوع من الجمهور، وحضورها يتمحورون حول العائلة والأصدقاء، أو ما اصطلح على تسميته "جمهور الإخوانيات". هذا الأمر بالذات طرح تأثيراً كبيراً على قناعة الجمهور بمحتوى الفعاليات، وبأنها غير مجدية، وقد تشكل إضاعة للوقت بالنسبة للجمهور الجاد، والذي يفكر أن بقاءه في البيت وتصفح الإنترنت أو قراءة كتاب، ربما يكون أكثر جدوى من الذهاب إلى تلك الفعاليات. في الناحية الأخرى، يبدو العامل الاقتصادي حاسماً في هذا الأمر، فإذا ما علمنا أن جمهور تلك الفعاليات هو، في غالبيته، من أبناء الطبقة الوسطى التي تأثرت كثيراً بما تم اعتباره "إصلاحات اقتصادية" نفذتها الحكومات المتعاقبة على مدى السنوات الأخيرة، فيمكننا أن نتبين مدى الخسارة التي منيت بها الحياة الثقافية ككل، حين تفقد جمهورها الأثير المتشكل من أبناء هذه الطبقة بالذات، بسبب اندراجها ضمن تصنيفات أقل. نضيف إلى ذلك تغيّر نمط الحياة إلى سريع ومكلف، وحاجة الأسر إلى دخول إضافية لمجاراة الارتفاع الكبير في كلف الحياة التي باتت الرواتب لا تستطيع تغطيتها، إضافة إلى أحوال السير والشوارع والتي تضيع فيها الساعات الطويلة هباء بسبب الزحمة الخانقة التي تشهدها الشوارع، خصوصا في العاصمة والمدن الكبيرة، والتي باتت لا تشجع على الخروج من البيت بعد الوصول إليه من العمل. هذه أمور مجتمعة أثرت في حضور الجمهور للفعاليات، ولكن لا بد من القول إن هذا الأمر يمكن مواجهته والتأثير في معطياته. اليوم نحن نواجه هذا التحدي، ونحاول أن نتخطاه، فمن الثابت أن الفعالية ذات المحتوى القيّم لا بدّ أن تجد جمهورها الحريص على متابعتها، حتى لو توفرت جميع المحبطات والتحديات السابقة لكن، ما هو تعريف الفعالية ذات المحتوى القيم، وما هي صفاتها؟ يتلخص تعريف الفعالية الجيدة بثلاث زوايا: محاضر ملم بالموضوع يستطيع التفاعل مع الجمهور. ومحتوى جيد على تماس مع حياة الناس ويؤثر عليهم كثيرا. وأخيرا؛ طريقة عرض لائقة فكريا، بحيث لا يلجأ المحاضر إلى القراءة عن ورقة، ويكون قادرا على تنسيق أفكاره وعرضها بطريقة جاذبة. إن استطعنا أن نشتبك بقوة مع الجمهور من خلال طرح موضوعات مهمة بالنسبة إليه، وليست فانتازيا ثقافية أو معرفية، فعندها، نستطيع أن نستقطب انتباهه وأن نجر وعيه إلى ما يطرح. عندها نستطيع القول إننا نربي جمهوراً موالياً، ولن نشتكي بعدها من ظاهرة انفضاض الجمهور.اضافة اعلان