مواجهة كورونا وأولويات الحياة في الأردن

يناقش الكثير من الخبراء أسئلة المستقبل المتعلقة بوضع الأردن بعد هزيمة جائحة كورونا، ربما لا توجد سيناريوهات وإجابات قاطعة لما ستؤول له الأمور، وما ينشغل به الأردن يقلق كل دول العالم.اضافة اعلان
تركز الحكومة جل اهتمامها في اللحظة الراهنة على منع انتشار وباء كورونا وتسخر كل جهودها لتحقيق هذا الهدف، وبالتوازي تعمل ليل نهار لضمان تأمين احتياجات الناس لاستمرار الحياة.
لا توجد وصفة واحدة يمكن القول إنها مثالية والأفضل، جربت الحكومة توصيل الخبز للمنازل ولم تنجح التجربة كما يجب، ولم تكمل بها، فتحت السوبرماركت والدكاكين في كل الأحياء السكنية وتدفق الناس للشراء مشيا على الأقدام، ويمكن القول بعد أيام على فتح السوبرماركت إنها تجربة يمكن الاستمرار بها، وكل ما يشغل بالي ويقلقني عدم انضباط بعض الناس بمعايير السلامة والصحة العامة.
توجد ثغرات في توريد البضائع والمواد الغذائية ما تزال لم تحل، فحتى الآن الدخان مفقود، وازدهرت السوق السوداء لبيعه، وهو سلعة ليست كمالية، وحتى الخضراوات والفواكه ما تزال محلات بيعها تشهد طوابير وازدحامات، وبصراحة لا أعرف السبب!
الملاحظة أن مشكلة الخبز قد حلت، وكثير من المخابز لا تشهد اختناقات في الشراء، وحتى الوصول للمواد التموينية في تحسن مستمر، وإن شحت بعض السلع، وأعتقد أنه بفتح "الهايبرماركت" لخدمة التوصيل للمنازل ربما ستحل الكثير من المشاكل المتبقية.
علينا أن نتذكر أن الحياة ليست طبيعية، وأن كل متطلباتنا لا يمكن تحقيقها فوراً، فهناك من يذكر بضرورة توفير القهوة، وبأهمية فتح محلات البن، وآخرون يقولون ما دمتم تتحدثون عن الدخان فتذكروا أن نسبة كبيرة من الناس مدمنة أرجيلة وتحتاج إلى "معسل" وفحم.
الحكومة تريد أن تحقق موازنة صعبة جداً، فهي تريد محاصرة تفشي الوباء والحد من الإصابات حتى ينتهي تدريجياً، وهي في الوقت ذاته تدرك أن للحياة متطلبات والعزل التام من الصعب الوصول له، وهناك استحقاقات لتأمين متطلبات الناس من الغذاء والدواء تعرفها الحكومة، وتريد أن تديمها بأفضل الطرق وبالحد الأدنى من الاحتكاك بين الناس.
الوصفة التي تتبعها الحكومة الآن في إدارة الحياة اليومية كافية، ولو كان الناس يلتزمون بالتوجيهات والإرشادات الصحية والانضباط وتجنب الاقتراب من الآخرين خوفاً من انتقال العدوى، لحققنا قصة نجاح لهذا البلد، ولكن للأسف حين تذهب للسوبرماركت يقترب الناس منك، وتضطر لتذكيرهم بضرورة الابتعاد عنك.
ستفتح البنوك بعض الفروع لها في الأيام المقبلة لضمان تحويل الرواتب الشهرية لمن لم يفعل، ولتأمين أموال نقدية لمن لا يتعامل مع البطاقات (فيزا-ماستركارد)، والخوف أن تتكرر تجربة التزاحم فنقع في شرك احتمالات وقوع إصابات جديدة بسبب العدوى، ولهذا ندعو الحكومة مع القطاع المصرفي للتفكير في آليات تضمن أن لا يحدث ذلك.
أدارت الحكومة الأزمة حتى الآن بنجاح واقتدار، وأقف ضد كل من يحاول تصيد الهفوات والأخطاء، ولا يعني ذلك تجاهل الرقابة لأداء الحكومة، وتقديم المقترحات والحلول، وهنا أستغرب الغياب الكبير لمجلس النواب عن المشهد.
المركز الوطني لإدارة الأزمات ظهر بشكل واضح دوره الفعال في تنسيق الأدوار، ولأول مرة أشعر أن هناك تجانساً متميزاً بين أجهزة الدولة كافة، وبالتأكيد كان للمركز دور ملموس بالتشبيك وجمع المعلومات، ومناقشة آليات العمل، وتقديم خطاب شفاف ومقنع للناس.
لم تستفد الدولة حتى الآن من خبرات مؤسسات المجتمع المدني، وآن الأوان أن تشركها في صناعة السياسات لمجابهة التحديات، واقتراح الحلول الخلاقة، وأن تدفعها لمقدمة الخطوط لتقديم خدمات الإغاثة، فهي يمكن من خلال قاعدة المعلومات التي لديها أن تصل للفئات المستضعفة والأكثر عرضة للخطر مثل الأسر الفقيرة في الأحياء، وعمال المياومة، واللاجئين، وعمال وعاملات المنازل وغيرهم.
ولا يمكن تجاهل إمكانات مؤسسات المجتمع المدني في التوعية وحملات كسب التأييد لتغيير السلوكيات المجتمعية التي يمكن أن تشكل خطراً على الصحة والسلامة العامة.
نرفع قبعاتنا لكل الذين يعملون في الميدان ويضحون بحياتهم لسلامتنا، فالأردن سيظل وفياً للكوادر الطبية والتمريضية التي تعمل ليلاً نهاراً لتجنيب الشعب هذا الوباء، ولأفراد الجيش والأمن الذين يحفظون السلم المجتمعي، وكل من يعمل في أي مكان على هذه الأرض المباركة لتستمر الحياة.