موازنة الديوان الملكي والجيش.. خطوة أولى

كما كان متوقعا، تحول اجتماع "مالية النواب" المخصص لمناقشة موازنة الديوان الملكي إلى جلسة مغلقة، لم يُسمح لوسائل الإعلام بحضورها أسوة بجلسات مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة. الإجراء ذاته اتخذ عند مناقشة موازنة القوات المسلحة، التي مثّلها في الاجتماع رئيس الوزراء بصفته وزيرا للدفاع، بينما مثل الديوان الملكي أمينه العام.اضافة اعلان
في الحالتين، فإن ما جرى يعد خطوة غير مسبوقة. إذ لم تشهد مناقشات الموازنة في السنوات السابقة اقتراب النواب من البنود الخاصة بالقوات المسلحة أو الديوان الملكي. وقد كلفت إشارة لموازنة الجيش في تقرير اللجنة المالية لمجلس الأعيان، ذات مرة، رئيسها عبدالكريم الكباريتي الخروج من مجلس الأعيان، وحملة تنغيص طالته لسنوات.
لكن هذا "التابو" أصبح من الماضي؛ لقد حصل تغيير بالفعل. البعض يعده شكليا؟ ربما صحيح. لكنها البداية من دون شك. لقد واجهت معظم الدول التي انتقلت إلى الديمقراطية، تحديات من هذا النوع. حتى الملكيات العريقة في الغرب، لم تتمكن البرلمانات فيها من بسط رقابتها على مؤسسات الدولة كافة من أول جولة. تطلب الأمر سنوات طويلة، وعلى نحو متدرج.
ليس مطلوبا أن نمر بنفس الدورة الزمنية التي دارت فيها دول من قبل، وإلا ما معنى التعلم من تجارب الآخرين وتطبيقها! لكن في الحالة الأردنية، هناك حاجة لتطوير المفاهيم عند كل الأطراف، والتحلي بروح المسؤولية والمثابرة للوصول إلى قناعات مشتركة.
فيما يخص موازنة القوات المسلحة، تتفق الأغلبية على ضرورة الأخذ بمبدأ سرية المناقشات. والاعتراض الوحيد من طرف نواب كان على أسلوب تقديمها في الموازنة كرقم مغلق من دون تفصيلات لبنود الإنفاق، وليس على قيمة المخصصات التي زادت بنسبة قليلة عن السنوات السابقة.
لكن فيما يتعلق بموازنة الديوان الملكي، فلم تكن مبررة المبالغة في سرية المناقشات. فالبند الخاص بها في مشروع الموازنة معروض بالتفاصيل الكاملة، والتي تتضمن مخصصات الملك والأسرة المالكة، ورواتب الموظفين البالغ عددهم 192 موظفا. وتبلغ القيمة الإجمالية لموازنة الديوان الملكي، حسب مشروع الموازنة، 25 مليون دينار. وهذه المعلومات متاحة للرأي العام، وقد نشرها أمس موقع "خبرني" الإخباري.
هناك بالطبع تداخلات كثيرة بين موازنة الديوان الملكي ومؤسسات أخرى في الدولة، تمليها تقاليد الحكم في الأردن، وطبيعة النظام السياسي؛ فالملك الذي يمثل رأس السلطتين التشريعية والتنفيذية هو في الوقت نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة، بما يمليه عليه هذا الموقع من مسؤوليات وواجبات.
والديوان، مثل أي مؤسسة رسمية، يلتزم بدفع ما عليه من مستحقات ونفقات عامة. وقد أكد لي مسؤول في قطاع المياه أن الديوان الملكي هو أكثر دوائر الدولة التزاما بتسديد فواتير المياه الخاصة بالقصور الملكية.
بالطبع، الأرقام الواردة في موازنة الديوان الملكي لا تكفي للإحاطة بالنفقات العامة لهذه المؤسسة، التي ما تزال، وبحكم ظروف موضوعية، تقوم ببعض مهمات السلطة التنفيذية؛ كالرعاية الصحية، ومشاريع الإسكان للأسر الفقيرة، والمساعدات الطارئة لمحتاجين من المواطنين.
التطور التدريجي لأسلوب الحكم في الأردن، وهو مبدأ متفق عليه ودعا إليه الملك عبدالله الثاني، لا بل وتبناه في أوراقه النقاشية، سيصل بنا في مراحل متقدمة إلى مناقشة برلمانية وإعلامية وافية وشاملة لكل بنود الإنفاق في الموازنة العامة، بما فيها مخصصات الديوان الملكي والقوات المسلحة، ما ظهر منها وما كان مستترا. لكنّ الوصول إلى هذه المرحلة، غير منوط بتغيير في ذهنية الحكم وقبوله لمبدأ المساءلة فقط، بل بوجود برلمان قادر على تحمل المسؤولية، وعلى سوية وطنية وتشريعية عالية تؤهله لهذا الدور.

[email protected]

fahed_khitan@