مواطنون يعملون في وظائف متعددة لمواجهة متطلبات الحياة

يواجه مواطنون الضغوطات الاقتصادية  بالعمل في أكثر من وظيفة - (m c t)
يواجه مواطنون الضغوطات الاقتصادية بالعمل في أكثر من وظيفة - (m c t)

عمان - السعي وراء لقمة العيش وتوفير متطلبات الحياة الرئيسية هو الهم الوحيد والشغل الشاغل لغالبية المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع الأردني.اضافة اعلان
فالجهد والتعب اللذان يبذلهما المواطن على مدار شهر وبأعمال متواصلة يأتي ليحصد آخر المطاف مبلغا يعينه على ضنك العيش وتسديد المستلزمات والأقساط المختلفة.
والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه المملكة مع غلاء المعيشة يجبر كثيرا من المواطنين على العمل في أكثر من وظيفة لتأمين متطلبات الحياة؛ إذ يصل البعض الليل بالنهار في العمل.
وهو ما يمر به الأربعيني حسام علي الذي يعمل في ثلاثة أماكن ولا يعود للبيت قبل الحادية عشرة ليلا يومياً، وكل ذلك من أجل إعالة عائلته.
يقول علي، وهو أب لثلاثة أبناء، إنه في البداية كان يعمل في عملين حتى يستطيع تأمين حياة كريمة لزوجته وأبنائه، الا أنه وبعد فترة وبعد أن رزق بمولود جديد وزادت المصاريف لاسيما تلك المتعلقة بالملابس والألعاب والمدارس، اضطر للبحث عن عمل ثالث.
يتابع “أخرج يومياً من الصباح الباكر حتى منتصف الليل”، مضيفا “رغم كل التعب والمجهود الا أنه لا يزيد معي أي مبلغ نهاية الشهر، فلا ألبث أن أسدد التزاماتي حتى أخرج من الشهر كما دخلته”، مشيرا إلى أنه “في حال زاد مبلغ ضئيل يبقى للطوارئ فلا بد وأن يظهر لي أي شيء مفاجئ أصرفه عليه”.
وينوه علي الى أن الحياة “صعبة جداً خصوصاً عندما يكون الشخص عنده عائلة وأولاد ومسؤولية”، لافتاً الى أن الأمور “لا تتجه نحو الفرج والبحبحة على الإطلاق بل على العكس تزداد المصاعب أكثر”.
الثلاثيني عمار أسعد هو شخص آخر كان يتخيل عندما بدأ حياته المهنية بأنه سيستطيع أن يحقق كل شيء كان يحلم به من عمل وترفيه وبناء مستقبل، وكل تلك الأمور قد يحلم بها أي شاب في بداية حياته.
الا أن ما كان ينتظره كان شيئا مختلفا تماماً عما حلم به، فالآن لا يمكن أن ينتهي الشهر بدون أن يكون هو وزوجته مديونين من أحد أفراد عائلتيهما لإكمال الشهر بأقل التكاليف وبحالة من التقشف.
ويشير أسعد، الأب لطفلة، الى أن متطلبات الحياة الصعبة من قروض ومصاريف حضانة ومأكل ومشرب وفواتير، كلها أمور لا يغطيها راتبه وراتب زوجته بل على العكس لا يمكن أن يمر الشهر بدون ديون.
ويضيف أنه ليس لهما أي حق هو وزوجته بمجرد التفكير في عمل شيء ترفيهي، لافتاً الى أن الحال من سيئ الى أسوأ، وما يجعله يشعر بالحسرة والخوف هو أن كل هذا التعب والجهد الذي يبذله لا يمكنه من ادخار ولو مبلغ بسيط للمستقبل.
وكانت دائرة الإحصاءات العامة كشفت أن قيمة خط الفقر المطلق بلغت 813.7 دينار للفرد سنوياً، كما بلغ خط الفقر المدقع 336 ديناراً للفرد.
والفقر المطلق هو عندما يعجز الإنسان عن توفير احتياجاته الأساسية اللازمة لحياته وحياة أسرته، فيعد فقيرا فقرا مطلقا. ويندرج تحت هذه الأساسيات: الطعام والشراب، المسكن، الملبس، العلاج الأساسي. وقد يندرج تحت هذه الأساسيات أيضا: التعليم، وإن عجز الإنسان عن توفير هذه الاحتياجات قد يخل بالاستقرار الاجتماعي، وقد يدفع من لا يتمكن من توفيرها للجريمة أو السرقة.
وكان قد حل المواطن الأردني في المرتبة الحادية عشرة عربيا، بين 19 دولة عربية، لناحية متوسط الدخل الفردي مقاسا بحصة المواطن من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013.
ويقل متوسط دخل الفرد الأردني البالغ 5200 دولار في العام 2013 عن المتوسط العربي البالغ 8200 دولار.
وفي ذلك، يرى الاختصاصي الاجتماعي الاقتصادي حسام عايش، أن عمل الإنسان بأكثر من وظيفة يأتي لأسباب مختلفة لعل في مقدمتها ارتفاع كلف المعيشة ومتطلبات الإنفاق على المشهد الاستهلاكي المتغير والمتنوع؛ كالإنفاق على التعليم والصحة والسكن والالتزامات الأخرى.
ويتابع “كل ذلك يضغط على معدل دخل المواطن ويؤدي الى أن هذا المواطن لا يستطيع أن ينظم نفقاته بشكل يتناسب ومتطلباته، والتي هي متطلبات متغيرة ومتسارعة ومتزايدة في كلفها والتي قد تأتي بشكل مفاجئ أحياناً مما يدفعه للبحث عن مصادر أخرى”.
ويشير عايش الى أن دائرة الإحصاءات قد بينت أن هناك عجزا مزمنا بين دخل الأسر ونفقاتها، وما يفاقمها أن معدلات الأجور بالأردن ما تزال منخفضة نتيجة للتغير المستمر في تكاليف المعيشة والذي هو بالكاد يكفي لمتطلبات الأسرة.
لذلك فإن المواطن مضطر للبحث عن وظيفة أخرى ودخل آخر، ما يجعلنا نرى ازدحاما على الوظائف، مبيناً أن هناك حاجة الى مصادر دخل أخرى لتلبية متطلبات الحياة الأساسية.
ويضيف عايش أن هذا كله له علاقة بأن الحكومة تبحث باستمرار عما يناسب ميزانيتها فيما لا تعطي أي أهمية للكيفية التي يمكن لهذا المواطن أن يوازن موازنته من خلالها.
ويذهب الاختصاصي النفسي د. محمد حباشنة، الى أن هذه “ضريبة المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي” كون الشخص يكون بحالة لهاث مستمر ويبحث فقط عن المتطلبات الرئيسية من طعام ومأوى وماء وسكن، وإن لم يحققها فذلك يشكل ضغطا كبيرا على الإنسان كونه من المفروض أن تكون هذه المتطلبات بعد فترة من العمل متاحة.
الا أن ما يحصل، وفق الحباشنة، أن الإنسان يبقى على السلم الأول من الهرم ولا يتطور على الإطلاق ولا يسهم أو يحقق ذاته في المجتمع، الأمر الذي يشكل ضغطا نفسيا داخليا شديدا كونه يبقى في محله ولا يتحرك، لافتا الى أن البقاء وعدم الحركة “مقتل نفسي” كون الشخص يشعر بأنه غير منتج ولا يمشي نحو الأمام.
الى جانب أنه لا توجد أي مصادر تسنده وتعينه لمجابهة الحياة، وذلك قد يؤدي، وفق الحباشنة، إلى “الانطفاء النفسي والاحتراق والاكتئاب والاحباط وعدم الثقة بالنفس وبالحياة”.