مواطن بحاجة إلى من يسمعه

بعض القضايا التي تحملها رسائل القراء الكرام تشد الانتباه، حتى وإن كانت في ظاهرها قضية شخصية، وأحيانا تستوقفك جملة او كلمة في الرسالة. فرسالة اليوم قصيرة من أحد الشباب الاردنيين بعث بها مرتين، ربما لاعتقاده أنني أهملتها، او ربما للضيق الذي يشعر به، واستأذنه ان اذكر اسمه الكريم "معتز حميدات".

اضافة اعلان

معتز يقول في رسالته: "أنا خريج جامعة تخصص لغة عبرية بكالوريوس عام 1999، وأحمل ماجستير في الدراسات العبرية عام 2003، وحاصل على دبلوم لغة انجليزية، ولدي الكثير من الدورات التدريبية والخبرات العملية، ومنذ اكثر من سبع سنوات وانا ابحث عن فرصة أمل، والمشكلة سيدي أنّ ترتيبي التنافسي على البكالوريوس والماجستير الأول منذ أكثر من أربع سنوات".

من حرارة نفسه ومعاناته أرسل رقمه الوطني لاستخدامه في التأكد من ترتيبه في ديوان الخدمة، ومثل هذه القضايا نجد مثلها الكثير في صفوف شبابنا وبناتنا، شهادات عالية وتأهيل كبير يرافقه جلوس في البيت، والنسبة العظمى من هؤلاء من أسر فقيرة أو متوسطة، ولهذا فدراستهم ترافقها معاناة اقتصادية، والشاب يحلم بيوم يدخل فيه على اهله بأول راتب يضع في يد ابيه المكافح (100) دينار، وفي جيبة امه (20) دينارا، ويشتري من السوق فواكه وكنافة ومخلوطة اكسترا، واذا كان الراتب معقولا يشتري في يوم لاحق كيلو كباب ليشعر الجميع "بأول الخير"، وهذه فرحة ليست بالراتب، بل بمسيرة كفاح للأب والأم لعشرات السنوات، وتحقق حلم نجاح الابن ودخول راتب ثان على البيت.

وحين يقول معتز، وربما آلاف مثله، انهم يبحثون عمن يسمعهم، فلأن الجلوس دون عمل بعد الحصول على الشهادات والتأهيل مشكلة كبيرة من الناحية النفسية والمعنوية. فالشاب ينام ليصحو، ثم ينام، يجد امثاله يعملون ولهم دخل ولهم طموحات مشاريع زواج او شراء سيارة، بينما هذا الشاب او نموذجه في كل مدننا وقرانا يأخذ مصروفه من ابيه، ولا يجد حتى طريقة للانفاق على نفسه.

ومثل هذه الرسائل ليس لها جواب او حلول عند ديوان الخدمة المدنية، فالجواب الرسمي يتحدث عن الدور والتنافس وحاجة الوزارات والدوائر للتخصصات. والديوان معذور فهذه صلاحياته وقدراته، وإن كان وجود شاب على رأس جدول التنافس منذ أربع سنوات أمر محزن وقد تمتد السنوات اكثر فأكثر.

الناس تلجأ الى السادة النواب الذين يكتبون اسماء الشباب او الشابات وسنوات التخرج والتخصص، لكن صلاحيات النواب محدودة، ولا يملكون تأمين الوظائف ولا صد الناس، ولهذا يكتبون المعلومات، وهم وأهالي الشباب على يقين انه لا نتيجة.

معتز نموذج على قضية اجتماعية شبابية، قبل ان تكون جزءاً من مشكلة البطالة، لهذا فالتفكير فيها يفترض ان يتجاوز مساره الفني. فديوان الخدمة لن يؤمن كل الخريجين بالوظائف، لكن وعي هؤلاء الشباب كبير وواضح، لهذا لم يقل صديقنا في رسالته انه يبحث عن فرصة عمل بل "فرصة امل".

السؤال كيف يمكن للقطاع العام أو الخاص أن يفتح باب الأمل لمعتز وأمثاله؟ كيف يمكن لصاحب مال واستثمارات أن يُشعر بعض هؤلاء الشباب أنّ الأمل موجود. وأحياناً تكون الحلول الفردية طريقا للحل الجماعي، وربما ما زال بعض الشباب الطموحين الجامعيين يتذكر فرحته وأسرته الطيبة عندما فتح رئيس بلديةٍ، صاحب وعي، باب الأمل والحياة لهذه الاسرة عندما ادخلهم كادر البلدية، فلم تخسر البلدية لكن أسرة دخلتها الحياة.

نحن نبحث عن فرصة أمل لمعتز وأمثاله؛ فهل من الممكن أن نفكر باقتراح يجعل هناك حدا اقصى لسنوات الانتظار؟ فعندما ينتظر الشاب عشر سنوات بعد التخرج فإنه يكون قد تجاوز الـ(32) عاما، فهل يمكن ان تتبنى قرارا يضمن فرصة عمل في القطاع العام او الخاص بعد سنوات محددة من التخرج حتى نبقي للحياة معناها لدى الشباب فنحارب تأخر سن الزواج والعنوسة والاحباط، ونبقي زمنا للطموح، الدستور لم يلزم الدولة بتوفير وظيفة حكومية، لكنها ملزمة بتوفير حق العمل.

[email protected]