مواقع التواصل: سيل من الآراء يؤثر على نوعية المحتوى أحيانا

كثيرة هي الآراء التي تحملها صفحات التواصل الاجتماعي والتي أحيانا تكون مبينة على غير دراية ومعرفة - (أرشيفية)
كثيرة هي الآراء التي تحملها صفحات التواصل الاجتماعي والتي أحيانا تكون مبينة على غير دراية ومعرفة - (أرشيفية)

مجد جابر

عمان- سيل من الآراء يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد نشر خبر عام، حيث أتاحت فرصة التعليق وإبداء الرأي للجميع، وأصبحت الغالبية تعطي رأيها وتنتقد وأحيانا تبث السلبية، بالرغم من وجود العديد من الآراء الناضجة ومن يكتبون “بوستات” فيها إضافة نوعية، وينشرون أخبارا مهمة.
غير أن النقد، فقط من أجل النقد والتهكم والشتم والتعليق بطريقة “فجة” أحيانا يسيطر على أصحاب صفحات مواقع التواصل، وفي أي موضوع يطرح، إن كانوا على دراية به أم لا. ذلك جعل بعض الأشخاص يحاولون الابتعاد عن نشر أخبار معينة، لأنهم يدركون أنها ستخضع لنقد وهجوم وانتقاد من البعض بدون مبررات حقيقية.
فوضى عارمة اجتاحت حساب الفيسبوك للثلاثينية نداء أحمد بعد لحظات من مشاركتها لأصدقائها على الصفحة لخبر قرأته على أحد المواقع، فلم تمض بضع دقائق حتى انهالت التعليقات على هذا الخبر من كل صوب وحدب بطريقة كبيرة جداً.
وبالرغم من أن نداء ليس لها أي علاقة بالخبر على الإطلاق وكانت هي مجرد ناقل له، إلا أنها لم تسلم من انتقادات الناس لها كذلك، وبدأوا بالإساءة لها.
وما يثير استغراب ندى كثيراً ليس انتقاد الناس لها، بل هو أن الخبر لا يحتاج إلى كل هذه البلبلة التي أحدثها، مشيرة إلى أنها تفاجأت بأشخاص علقوا ولم يكن لهم أي دراية بمضمون ما نشر أو معرفة فيه، حتى الصغار في العمر باتوا يفتون بآرائهم وينتقدون ويعارضون ويوافقون وكأنهم ضليعون جداً في هذا المجال.
وتضيف “مواقع التواصل الاجتماعي سمحت لكل الناس سواء من هو على معرفة ودراية أو من ليس له دراية بشيء بأن يفتي ويوافق ويعترض على أمور بالكاد سمع عنها في حياته”.
وبحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات يقدر عدد مستخدمي الإنترنت بحوالي 6 ملايين مستخدم أردني.
فيما تشير التقديرات الى أن عدد مستخدمي شبكة “الفيسبوك” في الأردن يتجاوز اليوم الـ 4 ملايين مستخدم، كما يتجاوز عدد مستخدمي “تويتر” 250 ألف مستخدم، و”الانستغرام” حوالي المليون حساب.
إبراهيم السعيد هو الآخر كان ناشطا على مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً “تويتر”، إلا أنه أغلق حسابه في النهاية، والسبب لأن الموقع تحول من مكان لطرح المواضيع ونقاشها بكل موضوعية ومهنية عالية واحترام وجهات النظر المختلفة، إلى مكان لا تراعى فيه أي قواعد.
ويشير إبراهيم أن الأمور باتت تتحول الى ساحة معركة عند طرح أي موضوع أو أي قضية وبات الأفضل هو من لديه قدرة أكبر على استخدام مصطلحات الشتم، إلى جانب أن الأمر يكبر ويتطور ويأخذ أبعادا أخرى بعيدة جداً عن الموضوع الأصلي، ما يجعل الأمر يفقد قيمته الحقيقية والهدف من طرح الموضوع الأصلي.
ويضيف أن “الهاشتاغ” كذلك سهّل من ذلك، حيث بات الجميع يطلق الهاشتاغ الذي يريده، ويدخل عليه ويسمع آراء من مختلف الأشخاص بغض النظر عمّا إذا كان هذا الشخص ملما بالموضوع لدرجة انه قادر على إصدار حكمه عليه أو لا.
ويقول إبراهيم “هذا لا يعني أنه لا يوجد هناك أشخاص كفئين وأصحاب دراية فعلاً، ولديهم قدرة على التواصل مع مواقع التواصل الاجتماعي بصورتها الصحيحة إلا أن الغالبية الأخرى باتت تطغى، ما دفعني لإغلاق حسابي تماماً”.
وكثيرة الآراء التي تحملها صفحات التواصل الاجتماعي والتي أحيانا تكون مبينة على غير دراية ومعرفة، إذ يعزو الاختصاصي النفسي د. محمد الحباشنة ذلك إلى وجود مشكلة في أدبيات وسائل التواصل، مشيرا إلى أننا انتقلنا إلى مرحلة الأدبيات المهزوزة من ناحية المحتوى والعمق، مما أعطى زيادة في كم الآراء على حساب النوعية.
ومن حق أي شخص أن يعبر عن ذاته، من وجهة نظر الحباشنة، لكن هذا المنبر أخذ الشكل المجاني، كما يقول، إذ بات فيه الشخص يعبر عن رأيه بأي شيء، وهو الأمر الذي أعطى مجالا لتعبيرات وجدانية بسيطة غير قادرة على أن تخرج على الملأ.
وهو مؤشر في الوقت ذاته، وفق الحباشنة، على تغيير الحريات، لكنه يؤثر على كفاءة الرأي السليم المناسب المدروس المبني على ثوابت منهجية، مبينا أن الأمر انتقل من كتابة رأي إلى مسرح رأي.
وفي ذلك يرى خبير أمن المعلومات والتواصل الرقمي الدكتور عمران سالم أنه أحياناً كثيرة يقوم الأشخاص بقراءة الشيء ونسخه على صفحتهم بدون أي أمانة علمية في نقل المعلومات أو التحقق منها، وهو الأمر الذي جعل الكل يتجرأ ويفتي في أي موضوع قد يمر عليه، مشيرا إلى أن الفوضى المعلوماتية والتلوث المعرفي هما السبب في كل ذلك، ما يجعل الناس تشعر بأنها مثقفة وعندها القدرة على الانتقاد، وأحياناً كثيرة تكون ثقافة عمياء ليس فيها أي نوع من المصداقية، فينتج عنها آراء وتحليلات ومعلومات كلها خاطئة.
ويرى أن الناس مع موجة التواصل الاجتماعي باتوا يشعرون بأنهم جميعهم “مثقفون”، خصوصاً أن هذه المواقع ليس عليها رقابة حقيقية، ما يجعل الشخص المؤهل وغير المؤهل قادرا على أن يبدي رأيه ويناقش في أهم المواضيع، وهو الأمر الذي خلق جزءا كبيرا من هذه الفوضى. وعلى الصعيد الاجتماعي يرى الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي أن السبب الرئيسي في ذلك هو أن مواقع التواصل الاجتماعي واستخدامها وسهولة إنشاء الحساب ودخول هذا العالم، وفّر للأشخاص القدرة على استخدام التكنولوجيا ما جعل الجميع يفتي ويبدي رأيه على صفحاتها.
إلى جانب أن ذلك يعتبر للأشخاص وسيلة للظهور وإثبات الوجود، مبيناً أن أي شخص بات مؤهلا في استخدام التكنولوجيا، ما جعله يعتقد بأنه قادر على إبداء الرأي في أي شيء بغض النظر عن مدى أهليته في ذلك.
من جهة أخرى يرى الحباشنة أن الرأي العام انتقل من قيادة النخب إلى قيادة كل الناس، وعادة ما يقود الرأي العام هم النخب.
ويخالفه الرأي الخزاعي إذ يرى أن الأمر قد يأخذ منحى ايجابيا بأن يجعل الشخص يلم بكل وجهات النظر والآراء من الناس على اختلاف الطبقات والفئات والأعمار.

اضافة اعلان

[email protected]