موت "أفضل أصدقاء عرفات"

بهذا العنوان أعلاه كتب المسؤول الرفيع السابق، في اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية المعروف باسم (إيباك)، دوغلاس بلومفيلد، عن موت عضو الكونغرس الأميركي السابق، بول فندلي، عن عمر 98 عاماً يوم 15 آب (أغسطس) 2019. اضافة اعلان
في كانون أول (ديسمبر) 1982، قرر كتابة تجربته مع اللوبي الإسرائيلي. كان ذلك بعد أشهر من مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان، وبعد تسعة أعوام من مرور فندلي بجانب المخيمين، العام 1974. في الواقع أنّ هذا المرور حدث بشكل غير مقصود، فهو نائب منطقة زراعية من الفلاحين الأميركيين، في ولاية ألينوي، كان مهتما بالزراعة منذ انتخابه العام 1960، ولم يهتم بالشرق الأوسط. ولكن أحد أبناء منطقته سُجن في اليمن، أثناء مروره بها في طريقه للكويت حيث يعمل مدرساً، وكان أهله يؤكدون أنّه بريء، وكان فندلي، في طريقه لليمن للتوسط للمدرس. زار الرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق في طريقه، وكان ذاهباً لبيروت ليستقل طائرته لليمن، عندما شاهد المخيمات.
كلّفته مساعيه لحماية المصالح الأميركية في الشرق الأسط عبر دبلوماسية إيجابية، موقعه في الكونغرس، العام 1982، ويعترف بلومفيلد، أنّ "الأموال اليهودية" مولت منافسيه، متهما فندلي ليس بكره اليهود، أو العداء لإسرائيل، ولكن بالسذاجة، لأنّه أعلن مثلاً أنه صديق الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات.
وثق فندلي، تجريته مع اللوبي الإسرائيلي، في كتاب عنوانه "من يجرؤ على الكلام"، وصدر العام 1985. ويكفي لمعرفة إصدار هذا الكتاب، امتناعه عن شكر من ساعدوه في كتابة الكتاب، باستثناء أحدهم الذي مات أثناء إعداد الكتاب، غرقاً. وأن الآخرين قالوا له أنّ اللوبي الإسرائيلي سينتقم منهم. ويورد فندلي قصصا، منها قصة طالب جامعة تجرأ على كتابة مقال في صحيفة جامعته، يطالب بمعاقبة "جزار بيروت" آرئيل شارون، بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، وكيف هوجمت عائلته بما في ذلك جده بمكالمات تهديد هاتفية، وهدد بالقتل، واجتمعت جماعات يهودية لتسقط رئيس تحرير الصحيفة. وتحدّث كيف أجبر اللوبي الإسرائيلي صحيفة بأهمية "واشنطن بوست"، أن تضع مندوبا عن اللوبي في غرفة تحريرها يتابع ما ستنشره.
فكّر فندلي العام 1974، بالحديث مع ياسر عرفات مباشرةً، ولكن وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، كان يمنع أي اتصال أميركي مع منظمة التحرير الفلسطينية. ولم يقابله سوى العام 1978، مع أعضاء كونغرس، طلب بعضهم إخفاء مشاركتهم في اللقاء. قابلهم عرفات في شقة في بناية، في بيروت، دون كوفيته، "كان أصلع تقريباً"، اتهموه بالإرهاب، فأخبرهم "أنا فدائي"، وحدثهم عن أربعة ملايين لاجئ. استغرق اللقاء أربع ساعات، واتفق فندلي مع عرفات على موقف يعلنه، عن استعداد الفلسطينيين لحل سياسي، وناقشوا كل كلمة في الموقف.
باتت الإدارة الأميركية تطلب من فندلي توسطه عند عرفات، الذي استجاب لمطالب، منها الوساطة مع الإيرانيين لإطلاق الرهائن في طهران، نهاية السبعينيات. وشكر رجال الإدارة الأميركية عرفات على محاولاته، سراً وخافوا من أي حديث علني، وخاف قيادات الحزب الجمهوري من دعم فندلي في الانتخابات. فاز بانتخابات الكونغرس العام 1980 بـ 56 بالمائة من الأصوات رغم حملة شعواء ضده، ما أعطاه الثقة. أسهم في جذب قيادات الأميركيين السود لصالح حل سياسي للقضية الفلسطينية، ويروي كيف التقى هؤلاء مع عرفات، وصلوا وغنوا وبكوا معاً، ما أشعل الرفض اليهودي. وخسر فندلي انتخابات 1982، في الحملة الانتخابية الأكثر تكلفة في تاريخ الكونغرس، وحصل منافسه الذي فاز بفارق 1 بالمائة من الأصوات، على أكثر من 90 بالمائة من تكاليف حملته من مؤيدي اللوبي الإسرائيلي.
لم يكن دوره مقصوراً على الشأن الفلسطيني، فكان مثلاً خلف إصدار قانون العام 1973، يقيد دور الرئيس الأميركي في شن حرب، ويطلب منه إبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة من نشر قوات في الخارج، ويفرض موافقة الكونغرس لاستمرار مهمة عسكرية أكثر من وقت محدد. وهو من دُعاة قيام الحكومة بدور أكبر في الرعاية الاجتماعية للفقراء والمحتاجين، وهي أمور لم يعد أحد تقريباً يتبناها في الحزب الجمهوري الذي انتمى له فندلي.
النظر في سيرة فندلي، في التشريعات الاجتماعية، يشير لاتجاه أميركي ضعف كثيراً، خصوصاً في الحزب الجمهوري، لكن الأصوات الرافضة "للهيمنة" الإسرائيلية ازدادت نسبياً.