موجة سخط بين الأوساط الفلسطينية لقرار السلطة حجب 59 موقعا إلكترونيا

نادية سعد الدين عمان - أثار قرار السلطة الفلسطينية، المشفوع قانونيا، موجة سخط واستياء شديدين بين أوساط الفلسطينيين، بوصفه انتهاكا صارخا للحريات العامة، ومؤشرا مضادا للأجواء الانتخابية المنشودة، مطالبين بالتراجع عنه. واعتبرت القوى والفصائل الوطنية أن قيام السلطة الفلسطينية بحجب 59 موقعا إلكترونيا في فلسطين المحتلة، والذي صدر بشأنه قرارا من محكمة الصلح برام الله بناء على طلب النائب العام، يعد "قمعا للحريات العامة وتكميما للأفواه وتسميما للأجواء المفترضة لإجراء الانتخابات". ويطال الحجب مواقع محسوبة على حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وتابعة لتيار الإصلاح الديمقراطي في حركة "فتح"، المحسوب على النائب محمد دحلان، فضلا عن مواقع مستقلة وأخرى مجهولة المصدر. وانتقدت القوى الفلسطينية التبرير الذي قدمته المحكمة التابعة للسلطة في اتخاذ القرار، بدعوى "تهديد الأمن القومي والسلم الأهلي، والإخلال بالنظام العام"، وهو ما وصفته نقابة الصحفيين الفلسطينيين، بأنه "مجزرة بحق حرية الرأي والتعبير". وقالت النقابة، في بيان لها، إن "هذا القرار القضائي يستند إلى قانون الجرائم الإلكترونية، مما يؤكد المحاذير باعتبار هذا القانون سيفا مسلطا على رقاب الصحفيين". ورأت أن قرار الحجب يناقض تعهدات الحكومة الفلسطينية بصون الحريات الإعلامية، مطالبة "مجلس القضاء الأعلى، باتخاذ ما يلزم من إجراءات لنقض هذا القرار، وإعدام أثره، وبمراجعة الآلية التي اتخذ بها". من جانبها، طالبت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، الجهات المختصة بوقف القرار، والالتزام بالقانون الأساسي الفلسطيني، وبحق الشعب الفلسطيني في حرية التعبير عن رأيه، عدا عن ضرورة مراجعة قانون الجرائم الإلكترونية. وقالت عشراوي، في تصريح لها، إن "إعاقة الوصول إلى مواقع الإنترنت أو غيرها من الإجراءات التي تمنع الوصول إلى المعلومة أو تحد من حرية التعبير، تتناقض بشكل تام مع القانون الفلسطيني الأساسي". ونوهت إلى أن "الرقابة سواء على الإنترنت أو باقي أشكال الاتصال، تمس بالحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني، وتتنافى مع القوانين الدولية، التي كفلت حرية الرأي والتعبير، وتعيق توجهات دولة فلسطين للتوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة". وبالمثل؛ عبر المتحدث باسم حركة "حماس"، عبد اللطيف القانوع، عن استيائه من قرار السلطة، الذي وصفه بأنه يعد "تسميما مُسبقا للأجواء وقمعا للحريات العامة وتكميما للأفواه، مثلما يبرهن على حالة التفرد والاستبداد التي ترفضها الحركة". وقال القانوع إن "إجراء الانتخابات العامة يتطلب تهيئة الأجواء وتوفير بيئة انتخابية تقوم على ضمان الحقوق وإطلاق الحريات"، وهو غير متوفر حاليا. فيما وجهت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين خطابا شديد اللهجة ضد القرار، الذي رأت فيه "تغولا جديدا على الديمقراطية وحرية الرأي، ومحاولة لكم الأفواه، واستعمال القضاء أداة في تصفية الحسابات السياسية مع الأحزاب والقوى والأفراد". وقالت إن القرار يستهدف "التغطية على سياسات الفساد وهدر المال العام والمحسوبية والزبائنية، والفشل في الإدارة السياسية للقضية الوطنية، بما ينجم من أضرار فادحة بالمصالح العليا والقضايا الحياتية والاجتماعية للشعب الفلسطيني". ودعت إلى التراجع عنه "لما سيلحقه من أذى بسمعة القضية الفلسطينية، وبالعلاقات السياسية، وسمعة السلطة أمام الرأي العام، مما يُعمق الهوة بينها وبين الشارع الفلسطيني"، بحسبها. بدورها، دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "السلطة للتراجع عن القرار الخطير الذي يصب في خانة المناكفة السياسية، وتكريس نهج التفرد والإقصاء، وسياسة تكميم الأفواه." واعتبرت أن القرار "جريمة يجب مواجهتها بحزم ورفض شعبي"، مثلما "يمُثل تجاوزا للقوانين الفلسطينية التي أكدت على حرية النشر والتعبير عن الرأي وحق الانتقاد والكشف عن حالات الفساد داخل منظومة السلطة". ورأت أنه "يُشكل أيضا خدمة صافية للاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى على الدوام إلى حظر المحتوى الفلسطيني في سياق مخططاته الهادفة لضرب الرواية الفلسطينية". وحذرت من أن يكون ذلك "مقدمة لحظر مواقع المقاومة والمواقع التي تفضح جرائم الاحتلال، أو المواقع القانونية المتخصصة في الدفاع عن حقوق المواطن الفلسطيني وملاحقة ومتابعة تجاوزات السلطة". من جهته، رأى "تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح"، المحسوب على النائب محمد دحلان، أن القرار "مخالف للالتزامات التي وقعتها السلطة، بما فيها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولأحكام القانون الأساسي الفلسطيني". وأكد أن "هذه الإجراءات والأحكام الباطلة تستهدف تسميم الأجواء الوطنية، في ظل الحديث عن الانتخابات، بما يُفسد المناخات الوطنية المطلوبة لتهيئة الأرضية المناسبة لإجرائها، ما يبرهن مجددا على أن السلطة آخر من يفكر في الوحدة الوطنية والسلم الأهلي واستقرار الجبهة الداخلية"، بحسبه. وانسجمت تلك الآراء مع موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي اعتبر أن "المحكمة جانبت الصواب في قرارها، عندما توسعت في تفسير ما قد يضر بالأمن القومي والنظام العام والسلم الأهلي، ولم تأخذ بالمعايير الدولية الناصة على ضرورة تسامح الدولة مع النقد اللاذع". ونوه إلى أن "ما قام به النائب العام ومحكمة الصلح يسيء للسلطة القضائية، ويعد خطوة جديدة على طريق تسيسها، مما يقوض النظام العام وسيادة القانون"، مثلما "يتناقض مع المساعي لعقد الانتخابات العامة". وطالب "النائب العام بالتوقف عن ملاحقة الصحافة وفرض القيود على حريتها، والالتزام بالاتفاقيات الدولية"، مؤكدا "حق الطعن في القرار أمام المحكمة المختصة لإلغائه، وضرورة عدم إصرار النيابة على طلبها أثناء الاستئناف." كما طالب المركز "بتعديل قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2018، بحيث تقتصر مسألة حجب المواقع الإلكترونية فقط للمواقع مجهولة المصدر، والتي تنتهج التعدي على مصلحة مشروعة محمية بالقانون". وكان الرئيس محمود عباس قد صادق في 24 حزيران (يونيو) 2017 على قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يهدف إلى تنظيم المعاملات والمواقع الإلكترونية الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، وفرض عقوبات على من يخل بالسلوك العام أو يحرض من خلال تلك المواقع.اضافة اعلان