موسم الموازنة في النواب

سلامة الدرعاوي عدد محدود من السادة النوّاب الذين يتعاملون مع مشروع قانون الموازنة العامة بمهنية اقتصاديّة عالية وروح من المسؤولية الكبيرة تجاه خطة الدولة الماليّة، ويعون جيداً أبعادها التنمويّة وتحدياتها، وهذا يترجم بخطابات وتحركات في اللجان المختصة وينم عن روح المسؤولية والحرص على مواجهة الاختلالات الماليّة بعقلانية. لكن في المقابل يجمع الكثير من المراقبين والمحللين ان غالبية النوّاب يستغلون ” موسم الموازنة” لأغراض إعلامية بحته بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة، ويكون هذا الوقت تحديدا موسما لشتم الحكومة وتعريتها بكل أشكال النقد المنطقية واللامنطقية. محاور حديث النوّاب ومناقشاتهم في غالبية أشكالها تنصب باتجاه المطالبات الخدمية لمناطقهم الانتخابية، وكلها شكل من أشكال المطالبات بزيادة الإنفاق، وهو أمر مخالف للدستور ودور النواب بضبط الإنفاق لا بزيادته. التعيينات والواسطات في مطالبات النوّاب الخفية مع الحكومة التي في العادة تتجاوب مع الكثير من تلك الطلبات سرا وفي الكواليس، وهذا ما يزيد الإنفاق الذي يكون خارج إطار ما هو مقدر في الموازنة في كثير من جوانبها. باستطاعة النوّاب ان يجعلوا جلسات مناقشة الموازنة موسماً للنقاش الاقتصاديّ الحقيقي بدلاً من ان يكون موسما للخطابات الرنانة بغرض الاستعراض أمام الناخبين وعدسات الكاميرات والمحطات الفضائية. موسم الموازنة يجب ان يمهد للحوار الاقتصاديّ المفقود بين الجهات الرسميّة والأهلية للخروج بتوافق حول القضايا الرئيسة ذات الجدل الدائر في المجتمع، والأمر ليس بهذه الصعوبة. مجلس النوّاب عليه ان يأخذ دورا مهما كبيرا في الإشراف على العملية الاقتصاديّة، ومتابعة تطورات سير الإنفاق في الموازنة، ومدى التزام الحكومة بنصوص القانون. النقاش لا يمكن ان يؤتي ثماراً في ظل طلبات غير رشيدة يتم فرضها من النوّاب في إطار صفقات للأسف تسمح الحكومات بتمريرها وتشارك فيها، الأصل ان يتم التحقق من مدى قدرة الموازنة على تحقيق أهداف رئيسة. وهي: نسبة النمو المقدرة والبالغة 2.7 % لسنة 2022، وقدرة الاقتصاد في العام الجديد على توفير فرص عمل جديدة للأردنيين، ومدى توزيع المشاريع الرأسمالية على المحافظات بشكل يحقق عدالة النسبة المنشودة. الموازنة هي خطة الدولة الماليّة لسنة كاملة، ولا يجوز ان تستغل في توليد ضغوط إنفاقية جديدة عليها في ظل التحديات التي تعصف بالاقتصاد من كل جانب. من حسن حظ الوطن والمواطن ان الحكومة الحالية أخذت الثقة، فلا طلبات جديدة ولا ضغوطات جديدة، لذلك الفرصة مواتية للمراقبة والإشراف للتأكد من القيمة المضافة لما تحتويه الموازنة من مشاريع. السادة النوّاب يملكون فرصة كبيرة للمساهمة بالتنمية الاقتصادية بالتشارك في العملية التنمويّة ووضع التصورات ومشاركة الحكومة في العلاج المنشود، وعدم ترك الحلول بيد الحكومة وحدها. الاقتصاد اليوم بأمس الحاجة إلى حوار مسؤول بين السلطات الرسميّة المعنية للخروج برؤية توافقية حول العديد من القضايا الاقتصاديّة التي ما تزال تتأرجح ما بين أماني الشّارع وما تفعله الحكومة وتمارسه على أرض الواقع. فالخزينة لا تمتلك ترف المجادلات الوهمية والشعبوية والإعلامية، هي بأمس الحاجة الى من يوقف هذا النزيف في كافة أشكال ومؤشرات الموازنة خاصة، والاقتصاد عامة.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان