موقع الأردن في العولمة

د. سعود الشرفات*

يقول عالم الطبيعة والفيزيائي البريطاني اللورد كيلفين: "عندما يستطيع المرء قياس ما يتحدث عنه، ويعبر عن ذلك بالأرقام، فإنه يكون قد بلغ شيئا من المعرفة بما يتحدث عنه. ولكن عندما لا يكون بمقدور المرء قياس ما يتحدث عنه، ولا التعبير عنه بالأرقام، فإن معرفته بالشيء عندئذ تكون ضئيلة ولا تشفي غليلا" (مجلة "فورين بوليسي" الأميركية).اضافة اعلان
العولمة سيرورة طاغية. إلا أن تأثيرها متفاوت بالسعة والعمق من مكان لآخر في عالم اليوم. لكن، كيف يقاس هذا التأثير؛ وكيف نعرف مدى تعولم دولة من الدول، ونعبر عنه بالأرقام، ونبتعد عن الانطباعات الشخصية؟
لحسن الحظ، فإن هذه السيرورة المثيرة للجدل والخلاف، وجدت من يقيس بالأرقام والإحصاءات المعقدة عمقها وسعتها، ومدى تأثيرها في دول ومناطق العالم كافة المعترف بها من الأمم المتحدة؛ وذلك من خلال النجاح في "تكمّيتها"، بمعنى إخضاعها للقياس رقميا وإحصائيا، من خلال تحديد ثلاثة أبعاد رئيسة لها، هي: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ثم بناء مؤشرات فرعية لكل بعد منها.
والأردن يتعولم بتسارع كبير، وقد احتل موقعا متقدما في "المؤشر العام للعولمة" للعام 2015، حسب آخر إحصاء لمؤشرات العولمة من قبل مركز الأبحاث المعروف اختصارا بالألمانية "ك. أو. إف"، التابع للمعهد الاقتصادي السويسري في زيورخ. إذ جاء الأردن في المرتبة 46، بينما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة 34 من أصل 207 دول ومناطق معترف بها من الأمم المتحدة.
وفي المؤشرات الفرعية، احتل الأردن المرتبة 59 في مؤشر العولمة الاقتصادية، متفوقا على أميركا التي جاءت بالمرتبة 90. كما جاء في المؤشرات السياسية بالمرتبة 37، مقارنة بأميركا التي احتلت المرتبة 16. أما في المؤشرات الاجتماعية، فقد جاء الأردن في المرتبة 75، وأميركا في المرتبة 28.
ونظرة تحليلية سريعة على هذه الأرقام، بعيدة عن الانطباعات الشخصية و"الكليشيهات" الجاهزة، تؤكد أن العولمة لا يمكن أن تعرف بأنها "الأمركة"، مثلما تحاجج الحركات المناهضة للعولمة؛ لأن الولايات المتحدة ليست الدولة رقم واحد في المؤشرات كافة، بل إن الأردن تفوق عليها في المؤشر الفرعي للعولمة الاقتصادية.
ثم إن المؤشر الفرعي للعولمة السياسية -من خلال المشاركة الواسعة للأردن في قوات حفظ السلام، والسفارت في الخارج، والتعاون في مكافحة الإرهاب- هو المحدد الأهم، والسبب الرئيس في زيادة عولمة الأردن. هذا يعني أن الأردن، ورغم شح وندرة موارده المختلفة، كما صغر مساحته وقلة عدد سكانه نسبيا، معولم بشكل واسع وعميق جدا، ولذلك فهو عرضة لتأثيرات العولمة المختلفة؛ الإيجابية والسلبية.والتحدي الكبير والخطير الذي يواجه صانع القرار في الأردن، يأتي من ناحية أن تسارع إيقاع العولمة بحاجة إلى مواكبة (هذا التسارع)، والنجاح في الاستفادة من إيجابياتها وتقليل سلبياتها؛ لأنه كلما كانت الدول منغمسة ومنخرطة في سيرورة العولمة، كانت أكثر مرونة إزاء التأثر بالتحولات والمتغيرات التي تفرضها.

*مدير مركز شرفات لدراسات
 وأبحاث العولمة والإرهاب