نادي الإبداع

دُعينا للاطلاع على نشاطاته في مدينة الكرك، وكنا نظن أننا سنضيف علماً أو معرفة أو فكرة إليه، وإذا بنا نعود متعلمين منه. كنا نظن أن الكرك بعيدة عن المركز وأنها متأخرة عن الركب، وإذا بنا نُفاجأ أنها متفوقة عليه بنادي الإبداع وغيره من الشواهد الباسقة فيها.اضافة اعلان
أتحدث عن نادي الإبداع في الكرك الذي يملك رؤية إبداعية، تقوم على رعاية واستكشاف الميول، وتفجير الطاقات الإبداعية عند الأطفال والفتيان والفتيات دون تمييز، وذلك من خلال ستة برامج للفئة العمرية بين 5-11 سنة، وأحد عشر برنامجاً للفئة العمرية بين 12-17 سنة. إضافة إلى أحد عشر برنامجاً للفئة العمرية بين 18-22 سنة، وسبعة برامج للفئة العمرية بعد سن 22؛ أي فئة خريجي الجامعات وخريجاتها. وكلها برامج لا توفرها المدارس والجامعات على إلحاحيتها؛ للإبداع والسباحة الناجحة في المياه المضطربة التي تحيط بالجميع في هذا العالم.
لقد تمكن النادي الذي بدأ نشاطه في 1/ 1/ 2011، من عقد نحو مئتي دورة في برامج مختلفة، ولمختلف الأعمار، حتى تاريخ 1/ 7/ 2015. وبلغ عدد المشاركين والمشاركات فيها ثلاثة آلاف وستمائة وسبعة عشر طفلاً وطفلة وفتى وفتاة وخريجاً وخريجة جامعية.
عندما تجولنا في قاعات النادي وغرفه، شاهدنا الحماس الشديد على وجوه المشاركين والمشاركات، لما يتلقونه من تعليم وتثقيف وتدريب، لها صلة باهتماماتهم وحاجاتهم ومستقبلهم. ومما يزيد في هذا الحماس، تلك القدرة الفائقة التي يتمتع بها المعلمون والمثقِفون (بكسر القاف) والمدربون. إنهم يعرفون درسهم جيداً؛ أي يعرفون ما يقدمون ويقدمونه بإتقان. وتستغرب كيف أن شباباً بهذا السن على قدر كبير من المعرفة والخبرة فيما يُعلِّمون ويقدمون.
لقد خرّج النادي فتيات وفتياناً جذبوا انتباه جامعات أجنبية متفوقة في أميركا وفرنسا وغيرهما، فدعتهم للمشاركة في برامجها الريادية؛ مثل فن القيادة في جامعة جورج تاون الأميركية، وبرنامج تكنولوجيا "النانو" في معهد غرونوبل للتكنولوجيا في فرنسا.  كما شارك النادي في سبعة معارض جذبت انتباه الزوار الذين جس بعضهم نبض النادي لإقامة نواد مماثلة في عدد من البلدان العربية.
حصل النادي على أكثر من عشر جوائز محلية وعالمية في الإبداع والابتكار. كما حصل رئيسه النشط المهندس حسام الطراونة، على زمالة منظمة أشوكا العالمية للرعاية الاجتماعية كرائد اجتماعي عالمي، وعلى جائزة وزارة الثقافة "مبادرون نحو ثقافة إيجابية" عن مبادرته في تأسيس وإدارة نادي الإبداع.
وللنادي مجلس إدارة فعال، وشركاء وأصدقاء، ومتبرعون، معظمهم أردنيون. وربما لسخاء المتبرعين للنادي، لا يدفع المستفيدون من برامجه أي رسوم.
على أن أكثر ما أعجبني في النادي وأبهجني، التقاؤه معي في الفلسفة أو في النظرية من دون تنسيق مسبق؛ فهو يقبل الملتحقين به من دون امتحانات وفحوص ذكاء ومقابلات شخصية. إنه يكتفي بالرغبة، ويقدم الفرصة، ثم يتحدى.
إنني أدّعي من متابعتي لأدبيات موضوع الموهبة، وما تكوّن لدي من خبرة ونظرة، أن الموهبة فرصة أكثر منها فطرة، وأن امتحانات الذكاء أو اختبارات القدرات لا تستطيع الكشف عنها، لأن ميول الطفل أو اهتماماته قد لا تكون واضحة بعد عنده. وعليه، يجب أن تبقى الفرصة متاحة. وبعد انغماس الطفل/ التلميذ فيها، يأتي التحدي لمعرفة فيما إذا كان لديه هذه الموهبة أو تلك التي عبر عنها من خلال البرنامج الذي التحق به.
وليتمكن الأطفال/ التلاميذ من التعبير عن ميولهم، يجب أن تتنوع البرامج، وأن تبقى مفتوحة للتنقل بينها إلى أن يستقر الطفل/ التلميذ على ميلٍ ما يعبر عن موهبته. وهذا لا يكون إلا في مدرسة موهوبة مثل نادي الإبداع، وليس في مدرسة للموهوبين أو للتميز.
إن تلخيص الأطفال/ التلاميذ (المتفوقين) في مدرسة واحدة أو مدرستين أو عشرين، يعيد ترتيبهم؛ أي قد ينقلب هذا الترتيب رأساً على عقب بعد مغادرة الطفل/ التلميذ السرب الذي جاء منه، وذلك لا يجعل مدرسة الموهوبين أو مدرسة التميز تختلف عن أي مدرسة عادية.