نار موقدة

 يديعوت – ايتان هابر

في خيالي وبيني وبين نفسي، أرى في هذه اللحظات هنري كيسنجر الشخص والاسطورة، جالسا على الكرسي في مكتبه في الطابق السادس والعشرين في مركز نيويورك، وهو يقهقه ضاحكا بصورة عالية. هذا اليهودي الذكي قال ذات مرة ان "دولة اسرائيل لا تمتلك سياسة خارجية وان كل خطواتها تشتق من السياسة الداخلية". ومنذ ان قال ما قاله، ليس هناك شهر تقريبا لم تبرر فيه التطورات في دولة اسرائيل مقولته المدوية هذه.

اضافة اعلان

من اصبح اليوم وزير الخارجية يجسد هذه المقولة بصورة عملية باعتباره حاملا للراية والمبدأ. افيغدور ليبرمان ايضا مثل هنري كيسنجر يجلس اليوم في مكان ما وحيدا او مع الاصدقاء ويقهقه عاليا. الاسرائيليون السذج ابتلعوا الطعم مرة اخرى. بالتأكيد الطباخ ليبرمان يقوم في هذه اللحظات باعداد "صرعة جديدة": ان اردتم اكلها فهي ليست اسطورة. انتم تستحقون ذلك.

افيغدور ليبرمان هو شخص ذكي جدا وموهوب جدا وما يزال بالنسبة للكثيرين احجية غامضة. اما انا فاعتقد ان سره قد انكشف وان الرد يمكن أن يلخص بكلمتين سمعتهما ذات مرة من احد مقربيه السابقين عضو الكنيست يسرائيل حسون: "طغمة سياسية".

قام ليبرمان قبل سنوات بفك رموز السياسة الاسرائيلية: في داخلنا مجموعة سكانية عملاقة وهي تشكل الاغلبية بالتأكيد ذات صبغة عاطفية، مغروسة في جذور الماضي وتقوم على مخاوف رهيبة. هذه المجموعة السكانية لا تمتلك الوقت او "الرأس" للتفكير: يلقون لها كلمة او كلمتين كطعم فتقوم "بالتهامه" وتصاب بالمغص – ومن ثم تنتقل الى السمكة التالية.

ليبرمان ومنذ الحملة الانتخابية التي قادها من اجل نتنياهو تعلم ان الكلمتين – ثلاثة كلمات او الفكرة التي تثير المخاوف تقوم بالمهمة بصورة جيدة: "بيريز سيقسم القدس" طارت للشارع والان يتوجب البحث عن الرياح. وبعد يومين تحصل على صدى "بيريز يقسم القدس" وليس لديك من تسأله حتى تحصل على الاجابات: لماذا؟ من؟ وحسب ماذا؟

ليبرمان صاحب الغرائز السياسية الحادة جدا يفهم السياسيين الاسرائيليين ويشخص دائما الشيء الذي يثير المشاعر الوطنية لدى الاسرائيليين في الاسبوع المقبل: "من دون ولاء أو مواطنة" قول كان مقصودا لجمع اصوات الناخبين. وبعد ذلك قال انه ليس مهتما بتنفيذ الفكرة بالمرة. وفي انتخابات سابقة عندما شخص عدم قدرة الحكومة على اداء دورها فطالعنا بـ "ناش كونترول" (اي تحت سيطرتنا بالروسية) وما عدا ذلك ذهب الى التاريخ.

ليبرمان هو كما اسلفنا يعتبر السياسة مهنة وعملا (حيث أنه يقوم بالمتاجرة من خلالها). والاعتبار الاول بالنسبة له هو جمع الاصوات حتى ان كان ذلك ضد مصلحة اسرائيل، ومهمته كوزير خارجية هي في نظره وسيلة لجمع المزيد من الاصوات. كل الوسائل مباحة. هل تذكرون ايضا "تبادل الاراضي والسكان"؟

وزير خارجية آخر، اي وزير خارجية آخر كان سيصرخ لو ان دولة واحدة في العالم قاطعته: ليبرمان يتجاهل التلميحات بانه ليس لديه ما يفعله في واشنطن او اوروبا وانه لا يتوجب عليه ان يضع قدمه على اراضيهما. بقي له فقط أن يسافر بعيدا الى سان باولو وترينداد وزامبيا وبيع الجمهور الاسرائيلي فرية ان هذه البلاد قد اهملت (هذا صحيح) والى اي مدى تبلغ اهمية اقامة العلاقات الدبلوماسية معها كبديل للندن وباريس وبرلين.

على الطريق من البرازيل الى الغابون يتوقف هنا ليبرمان في محطة انتقالية ويقوم باشعال الصحافة بمهارة (أنا!) الامر الذي يحول هذه الشعلة الى نار موقدة كبيرة ومن ثم يسافر من هنا الى مكان ما في العالم حتى الخدعة المقبلة.