نازحون يخشون الجوع و"كورونا" في حال وقف إيصال المساعدات إلى سورية

معرة مصرين (سورية) - بعد نجاتهم من المعارك الأخيرة في شمال غرب سورية، يخشى نصر أحمد سلطان على أطفاله العشرة من المجاعة وتفشي فيروس كورونا المستجد، في حال توقف إيصال المساعدات عبر الحدود، غداة فشل مجلس الأمن في تجديد آلية ادخالها جراء فيتو روسي صيني. وانتهت أول من أمس مدة تفويض الأمم المتحدة لإيصال مساعدات انسانية حيوية عبر الحدود إلى ملايين السوريين، على وقع انقسام سياسي أثار تنديد كبرى المنظمات الانسانية والدولية. وبدأت برلين وبروكسل مبادرة أخيرة لمحاولة إنقاذ هذه الآلية على أمل إجراء تصويت جديد نهاية الأسبوع. داخل خيمة متواضعة شبه خالية من الأثاث، في مخيم للنازحين قرب مدينة معرة مصرين، شمال إدلب، يبدي نصر (45 عاما)، خوفه على عائلته في حال توقف المساعدات ومع تسجيل أولى الإصابات بوباء كوفيد 19 في إدلب. ويقول لوكالة فرانس برس الجمعة "تركنا بيوتنا وأرضنا ورزقنا ولم يعد لدينا إلا هذه المساعدات التي يعطوننا إياها، وفي حال انقطعت نصبح عرضة للمجاعة". وفر نصر مع عائلته من جنوب إدلب على وقع هجوم واسع شنته قوات النظام بدعم روسي بدءا من كانون الأول (ديسمبر) على مناطق في إدلب ومحيطها. وتوقف الهجوم الذي دفع نحو مليون شخص الى الفرار من مناطقهم، إثر وقف لاطلاق النار أعلنته روسيا الداعمة لقوات النظام وتركيا الداعمة للفصائل المقاتلة، بدأ تطبيقه في 6 آذار (مارس). وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) وفصائل أخرى أقل نفوذا على نصف مساحة إدلب ومحيطها، حيث يقيم ثلاثة ملايين نسمة، نصفهم نازحون من مناطق أخرى. ووفقا للأمم المتحدة، يعتمد نحو 2.8 مليون شخص في المنطقة على المساعدات عبر الحدود لتأمين احتياجاتهم اليومية الأساسية. ولم يتمكن مجلس الأمن من تجديد آلية إيصال المساعدات عبر الحدود، المعتمدة منذ العام 2014 ومن دون موافقة دمشق، بسبب إصرار روسيا على حصر نقاط إدخال المساعدات بمعبر باب الهوى (إدلب) وإزالة نقطة العبور الثانية وهي باب السلامة في منطقة أعزاز (حلب). وتعتبر روسيا أساسا أن التفويض ينتهك السيادة السورية. ونجحت مطلع العام في فرض إرادتها على الأمم المتحدة بتقليص نقاط إدخال المساعدات إلى اثنتين بدلا من أربع، ولمدة ستة أشهر بينما كانت تمدد سنويا منذ إنشائها. ومع تسجيل إصابة ثلاثة من الكوادر الطبية على الأقل بفيروس كورونا المستجد في إدلب منذ الخميس الماضي، في تطور يثير مخاوف من وقوع كارثة صحية إذا ما تفشى الوباء في مخيمات النازحين المكتظة والتي تفتقد لخدمات المياه والصرف الصحي، يقول نصر بانفعال "إذا لم يتم إدخال الأدوية الى المخيمات، سينتهي أمرنا" مضيفا "ستقضي الكورونا علينا". على بعد أمتار، يسأل النازح عبد السلام يوسف (47 عاما)، وهو أب لعشرة أطفال بغضب "مع تسجيل إصابات عدة بالكورونا، كيف يمكننا الإلتزام بالحجر داخل المخيمات اذا كانت الناس لا تملك قوتها اليومي مع وقف المساعدات؟". ويوضح أن وقف إدخال المساعدات، في حال عدم تجديد الآلية، سيشكل "كارثة انسانية بحق الناس لأن غالبية المهجرين في المخيمات يعتمدون بشكل كلي على السلة الشهرية أو الخبز" الذي يتم توزيعه في إطار المساعدات. ويعتمد النازحون خصوصا على المساعدات لتأمين الطعام والمياه والحصول على الخدمات الاستشفائية والتعليمية لأطفالهم، بحسب الأمم المتحدة. ونبهت رئيسة منظمة "سايف ذي تشيلدرن" إنغر أيشينغ في بيان ليل أول من أمس إلى أن "المعابر الحدودية هي الطريقة الوحيدة لإيصال المساعدات الإنسانية الحيوية، والتي يعتمد الأطفال عليها للبقاء". وقالت إنه ما لم يتم وضعها "قيد الخدمة، فلن تتمكن العديد من العائلات من تناول الطعام، ولن تحصل على رعاية صحية ولن تجد مأوى". ولم تثمر خمس عمليات تصويت في مجلس الأمن منذ الثلاثاء الماضي، استخدمت خلالها روسيا والصين حق النقض (فيتو). وتقول موسكو إن 85 % من المساعدات تمر عبر باب الهوى وبالتالي يمكن إغلاق معبر باب السلامة. ويرفض الغربيون هذه الحجج معتبرين أن لا بديل يتمتع بالصدقية لهذه الآلية حاليا وأن البيروقراطية والسياسة السوريتين تمنعان نقلا فعالا للمساعدات إلى المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق. وأكدت الولايات المتحدة الأربعاء الماضي أن الإبقاء على معبرين في سورية "خط أحمر". لكن دبلوماسيين ذكروا لفرانس برس أن الحل الذي تسعى إليه ألمانيا وبلجيكا بات يرتكز على الإبقاء على معبر باب الهوى فقط والتخلي عن باب السلامة. وانتقدت مجموعة الأزمات الدولية "تسييس" ايصال المساعدات. وحذرت كبيرة الباحثين دارين خليفة من أن "مواصلة محاولة تسجيل نقاط سياسية على حساب الفئات الأكثر هشاشة يمكن أن يدفع الدول الغربية للعودة الى طريقة العمل قبل العام 2014، عبر تجاوز الآليات المتعددة الأطراف وإيصال المساعدة مباشرة إلى الشمال السوري". ومن المفترض أن تظهر اليوم الاحد نتائج تصويت جديد بمجلس الأمن الدولي سيتم فجرا اليوم (بتوقيت الاردن) على تمديد المساعدة للسوريين عبر الحدود، رغم انتهاء مفعول هذه الآلية الحيوية بسبب رغبة روسيا في تقليصها خلافا لرأي الغرب. ودعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أمس روسيا والصين في تغريدة إلى "الكف عن عرقلة التسوية". وأضاف "نأسف بشدة لأن تمديد القرار المتعلق بالمساعدة عبر الحدود إلى مجلس الأمن الدولي قد تمت عرقلته مرة أخرى أول من أمس بسبب الفيتو الروسي والصيني" معتبرا ذلك "خبرا سيئا لملايين السكان في شمال سورية". وسيطلب المجلس أيضا من الأمين العام للمنظمة تقديم تقريرا "كل 60 يوما على الأقل". ويتوافق هذا الحل لآلية الأمم المتحدة عبر الحدود مع طلب روسيا إلغاء معبر باب السلام المؤدي إلى محافظة حلب. ويمكن لأعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر تقديم تعديلات على نص المانيا وبلجيكا حتى منتصف ليلة أمس قبل التصويت عليه. وقدمت روسيا، ليل أول من أمس وأمس تعديلين، وطالبت بذكر أثر العقوبات الأحادية المفروضة على سورية في اشارة ضمنية الى الولايات المتحدة وأوروبا، مشددة على تحسين منح المساعدات المقدمة للمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. ولكن لا يبدو أن هذه التعديلات تملك فرصا لاعتمادها خلال الاقتراع المخصص لها فجر اليوم.-(أ ف ب)اضافة اعلان