"ناسداك" شارع الخالدي

لا يمكن إلا أن تصيبك غصة إذا ما قدر لك أن تعبر شارع "ابن خلدون" أو ما يعرف شعبيا بشارع الخالدي نسبة إلى مستشفى الخالدي الشهير خاصة في ساعات المساء، فهذا الشارع الذي كان إلى زمن ليس ببعيد قبلة طالبي الاستشفاء من شتى البلدان العربية، وكنت تجد صعوبة في أن تعثر لك فيه على موطئ قدم فضلا عن مكان تركن فيه سيارتك حتى في ساعات المساء المتأخرة، اصبح اليوم هادئا بل موحشا في فترات المساء. اضافة اعلان
فاذا ما كان ناسداك يعتبر مؤشر ازدهار قطاع التكنولوجيا الأميركي فإن شارع الخالدي يعكس مدى ازدهار السياحة العلاجية في الأردن والتي تعتبر الرافد الرئيسي للقطاع الطبي الخاص، دون الحاجة للجوء إلى مراكز الإحصاء أو إلى الوزارات المختصة حيث تكفي جولة قصيرة في هذا الشارع الشهير لنعي حجم المأساة التي يعانيها القطاع الطبي في بلدنا.
لقد ساهمت قرارات غير مدروسة وممارسات خاطئة تم تضخيم بعضها إلى تغيير وجهة المريض العربي إلى دول لم تكن في حساباتنا من قبل مثل تركيا والهند وتايلاند وغيرها، فقد حدثني أحد وزراء الصحة العرب أن سفارة الهند في بلاده قد اصدرت العام الماضي حوالي خمسين ألف تأشيرة دخول علاجية ويعتقد أن مثل هذا العدد قد اتجه إلى المستشفيات التركية علما أن الأردن كان الوجهة الرئيسية لمرضى ذاك البلد حتى زمن قريب.
ولتزداد الصورة قتامة فقد بدأنا نشهد ظاهرة خطيرة في تحولنا من مقصد للسياحة العلاجية الى هدف لمستقطبي هذه السياحة من خلال السياحة العلاجية العكسية والتي لم تعد حالات فردية وتكفي نظرة سريعة لرحلة اسطنبول لنتأكد من هذا.
أسباب عديدة تقف وراء خسارتنا لموقعنا المتميز على خريطة السياحة العلاجية، وكل جهة تلقي باللائمة على الأخرى ولست في هذه العجالة بصدد الغوص في الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع المتردي الذي يمر به قطاعنا الطبي فهذه اصبحت معروفة للقاصي والداني وملت من تكرارها قاعات الاجتماعات والمؤتمرات لكنها صرخة اتمنى أن تلامس عقول الغيورين على هذا القطاع المهم والذي يشغل عشرات الآلاف من الأردنيين وكان إلى زمن قريب يرفد الاقتصاد الوطني بالمليارات من العملة الأجنبية التي نحن بأمس الحاجة لها اليوم.
وما تعثر بعض المستشفيات وتأخر البعض في الإيفاء بالتزاماتها المادية تجاه موظفيها والجهات الدائنة الا مقدمة لمشكلة قادمة لا محالة ما لم نتدارك الأمر على الصعيدين الحكومي والخاص وقد يكون الاجتماع الذي ترأسه جلالة الملك مؤخرا بداية الطريق لحلول حقيقية تضع الاصبع على الجرح فلم يعد هنالك متسع من الوقت للتلكؤ.
لقد حصلت اخطاء كبيرة على المستويين الحكومي والخاص في التعامل مع هذا الملف، وقام البعض بمناكفة هذا القطاع على مبدأ "الضرة " بينما تعامل آخرون معه من مبدأ "تاجر الشنطة" الذي يريد ان يضرب ضربته ويغادر.
قطاعنا الصحي الذي كان البلسم لأمراض وآلام الملايين من الأردنيين والعرب أصبح مريضا يعاني ولا من يمسح آلامه ويداوي أوجاعه.