نتنياهو والدولة

هآرتس

حيمي شليف 23/1/2019

اضافة اعلان

في منتصف الثمانينيات وفي نهاية الحرب الباردة، المغني ستينغ نشر اغنية "روس" التي كانت في أحد البوماته المعروفة. هذه الاغنية انتقدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على العداء المتبادل بينهما. لكن يتم تذكرها بالاساس بسبب السطر الهجومي الذي جاء فيه "آمل أن الروس أيضا يحبون أولادهم". اذا كان الروس يحبون اولادهم فربما سيتم منع حرب نووية.
المقارنة مع بنيامين نتنياهو محددة بالسطر الهجومي المذكور: اذا كان نتنياهو يحب إسرائيل ويهتم بمستقبل اولادها اكثر من مستقبله، لكان أعلن الآن بأنه قرر عدم التنافس في هذه المرة على رئاسة الحكومة. ليس كدليل على الضعف، وليس كخطوة استسلام لمؤامرة اليسار التي يحذر منها، وربما يؤمن بوجودها أيضا، بل كمحب حقيقي ووطني نموذجي، وضع مصالح دولته فوق مصالحه.
من يحب دولته لا يفرض عليها انتخابات هزلية، في مركزها قضاياه الجنائية. ولا يرسل مبعوثيه من اجل اطلاق الشتائم لمؤسساتها. ولا يفرض على مؤيديه انقاذه من أنياب القانون. ولا يجر الجمهور الإسرائيلي للقيام بالحسم بين سلطة القانون وعبادة الشخصية، بين الديمقراطية وفساد الحكومة المستشري. المحب الحقيقي كان سيطأطئ رأسه ويوافق على الحكم ويكرس نفسه لإثبات براءته ويعفي الدولة من عقابه، على الاقل حتى مرور العاصفة.
يبدو أن نتنياهو يحب دولته ومناظرها، لغتها، حتى لو كان ذلك بدرجة ثانية، وثلث سكانها بدرجة أولى اذا خصمنا الفلسطينيين والعرب واليساريين والمراسلين والمدعين العامين وكل من يرفض تأدية التحية لفخامته. نتنياهو بالتأكيد يؤمن بأنه يحب حتى دولة إسرائيل، لكن هذا نظريا فقط. ولايته الاخيرة والمسمومة أظهرت كراهيته الاساسية لجذور الدولة ونظام حكمها، رغم أنها هي التي اوصلته إلى ما وصل اليه.
اذا ما هي أسس الديمقراطية الإسرائيلية، تعبيراتها الواضحة على استقلالية إسرائيل وممثلوها الموالون للدولة الرسمية، التي دافيد بن غوريون صمم على غرسها فيها. الرئيس الذي يمقته نتنياهو، المحكمة العليا التي يشل نتنياهو عملها، ورئيس الاركان الذي تخلى عن نتنياهو لصالح اليئور ازاريا، الثقافة الإسرائيلية التي تخلى عنها ووضعها في أيدي ميري ريغيف، حرية التعبير التي يعمل على تقليصها، التعايش الذي سحقه من خلال قانون القومية، التعليم العالي الذي اصبح طابوار خامسا، الاعلام الحر الذي تحول إلى عدو الشعب، وفوق كل ذلك، سلطة القانون التي هي اساس وجود الجمهورية الإسرائيلية الجديدة التي قام نتنياهو بتفكيكها من اجل التخلص من عقوبته.
رئيس حكومة يقول إن الشرطة والنيابة العامة والمستشار القانوني للحكومة يقومون بحياكة قضية له، ويخترعون الأدلة ويديرون ضده مطاردة ساحرات، يضعضع ثقة الجمهور بجهاز تطبيق القانون، ويخرب امكانية العيش معا. رئيس حكومة مستعد لتلويث العملية الديمقراطية بشؤونه الشخصية والجنائية، ويدفع جمهوره لحل نير الملكية، يضر أسس النظام ويخرق قسم "الدفاع عن دولة إسرائيل ودستوريها".
رئيس حكومة يتصرف بهذا الشكل تجاوز منذ زمن مرحلة "الدولة هي أنا". الخيار الشديد المتوحش والمجزأ الذي يطرحه على الناخب الآن هو "إما الدولة وإما أنا". افتراض البراءة الجنائية لنتنياهو موجود، لكن في سابقة تقررت في محكمة سليمان، فإن ادانته موجودة بالفعل: الأم التي تنازلت عن امومتها من اجل أن يعيش طفلها، اظهرت أنها تحبه. والأم التي كانت مستعدة لقطعه إلى قسمين فقط من اجل أن تبقى صفة الامومة لها، كشفت أن حبها هو فقط لنفسها.