نتنياهو وعباس يطرحان رؤى متعارضة، ولا بوادر لتسوية

Untitled-1
Untitled-1

جيفري أرونسون – (ذا أراب ويكلي) 24/8/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

يبدو خطاب عباس شاحباً تماماً أمام إنجازات نتنياهو المبنية من الطوب والإسمنت، والتي يستطيع سكان مخيم الجلزون والأماكن الأخرى في الأراضي الفلسطينية أن يروها وهي تتوسع وتتمدد أمام أعينهم.. وبينما يواجه الزعيمان المستقبل، فإن نموذج انخراطهما ليس إجماع أوسلو المضطرب، وإنما التأكيدات الأكثر عدوانية على الرؤى المتنافسة والعدائية، التي تسترشد بالواقع الوحشي الذي تشكله هيمنة إسرائيل على الضفة الغربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.

  • * *
    إنه ذلك الموسم الأحمق في إسرائيل –حيث من المقرر إجراء الانتخابات الوطنية المعادة في 17 أيلول (سبتمبر)- ولذلك يمكن أن يُغفر للسياسيين، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إدلاؤهم بتصريحات شائنة تهدف إلى حشد مؤيديهم.
    يتعهد نتنياهو بالاستيطان في كل مكان من الأراضي الفلسطينية وبضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. وحتى لا يتفوق عليه خصمه، يقلل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس من شأن المستوطنات باعتبارها مجرد نسيم عابر، ويعلن إنهاء التعاون الأمني مع إسرائيل، ويصرّح بأن السلطة الفلسطينية تقوم بتأكيد سلطتها على 60% من الضفة الغربية التي تسيطر عليها المستوطنات الإسرائيلية، (المنطقة ج).
    بغض النظر عن مدى الإفراط والتطرف في هذه التصريحات، فإنها تعكس التناقض الحقيقي بين الرؤى الإسرائيلية والفلسطينية لمستقبل الأراضي الفلسطينية، وهو عنوان أعمق بكثير وأكثر ديمومة من مجرد انتخابات.
    ولكن، أي أجندة للمستقبل من رؤى الزعيمين ترتكز إلى تقييم واقعي للوضع على أرض الواقع، ومن هو الذي يستشرف تطبيق رؤية تمتلك حتى ولو فرصة ضئيلة للتحقق؟
    أي من الزعيمين لديه القدرة على الوفاء بالوعود التي يبذلها في تصريحاته، وأيهما هو الذي ينفث الدخان فقط، ببساطة؟ مَن هو الذي يمكن أن نصدّقه ؟ نتنياهو أم عباس، أم أننا يجب أن لا نصدق أياً منهما؟
    تميزت حقبة أوسلو في السابق برغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين، إسحق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات –مهما بدا ذلك غير مريح- في تأسيس منصة مشتركة للانخراط الدبلوماسي والتصرف بطريقة عملية، والتي تتمتع بدعم المجتمع الدولي. ولم يكن ذلك الإجماع من دون عيوبه الخاصة، لكنه أنتج مع ذلك اتفاقات مثل توافقات "أوسلو 2"، وحقق العودة المتفق عليها لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى فلسطين.
    ومع ذلك، ما يزال نظام أوسلو مفلسا ومعطلا منذ بعض الوقت. لم يحدث أي اتفاق دبلوماسي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية منذ اتفاق الخليل قبل 25 عاما تقريبا. وعندما تم التوصل إلى ذلك الاتفاق في العام 1997، كان نتنياهو في ولايته الأولى الفاشلة كرئيس للوزراء. واليوم، أصبح زعيم إسرائيل الأطول خدمة، متغلباً حتى على ديفيد بن غوريون نفسه، ولم تقم إسرائيل حتى الآن بنقل حتى دونم واحد من أراضي الضفة الغربية إلى سيطرة فلسطينية ذات سيادة.
    كان نتنياهو هو الذي وضع اللهجة القتالية التي حددت منذ فترة طويلة علاقته بعباس قبل فوزه في الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت في 9 نيسان (أبريل). وعلى النقيض من تأييده المبكر وغير المتحمس لإقامة دولة فلسطينية بناء على طلب من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، عاد نتنياهو إلى رفض احتمال قيام دولة فلسطينية باعتباره "يشكل خطرا على وجودنا".
    ولا يُقتصر الأمر فقط أن السيادة الفلسطينية غير واردة على الإطلاق. لقد أعلن نتنياهو، متحدثا إلى القناة الإسرائيلية 12 في 6 نيسان (أبريل): "سوف أطبق السيادة الإسرائيلية، لكنني لا أميز بين الكتل الاستيطانية والمستوطنات المعزولة… من وجهة نظري، كل نقطة من نقاط الاستيطان هذه إسرائيلية. لدينا مسؤولية (عنها) كحكومة إسرائيل. لن أقتلع أيا منها ولن أنقلها إلى سيادة الفلسطينيين. إنني أعتني بها جميعا".
    لدى نتنياهو سبب وجيه للاعتقاد بأن إدارة ترامب -التي سبق وأن اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل وبمرتفعات الجولان كأرض إسرائيلية سيادية- تبارك استراتيجيته التي شجبتها الأمم المتحدة وبريطانيا باعتبارها "ضماً فعلياً" للأراضي المحتلة. لكن الاحتجاجات من هذا النوع توقفت عن التأثير في أي أحد –ناهيك عن نتنياهو نفسه.
    في خضم الحملة الانتخابية الحالية في إسرائيل، كرر نتنياهو تعهده بالضم في حفل وضع حجر الأساس لـ650 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة بيت إيل في الضفة الغربية.
    وقال في الاحتفال: "لقد وعدنا ببناء مئات الوحدات السكنية. واليوم، نحن نفعل ذلك، لأننا وعدنا ولأن مهمتنا هي إقامة دولة إسرائيل في بلدنا، وتأمين سيادتنا على وطننا التاريخي".
    وبعد يومين، وبينما يتحدث في مكان مقابِل عبر الشارع في مخيم الجلزون، أعلن محمود عباس رؤيته الخاصة أمام جمهور من اللاجئين الفلسطينيين.
    وقال عباس في كلمته: "الشعب الفلسطيني سيبقى صامداً صابراً مكافحاً مرابطاً على أرضه، وكل حجر وكل بيت بنوه على أرضنا سيزول إلى مزابل التاريخ".
    ومضى إلى القول: "نحن سنبقى في وطننا ولن يستطيع أحد أن يزحزحنا منه، والطارئ على هذه الأرض لا حق له بهذا البلد، ولذلك نقول لهم مهما أعلنوا عن بيوت هنا ومستوطنات هناك، ستزول جميعاً إن شاء الله، وستكون إلى مزابل التاريخ، وسيتذكرون أن هذه الأرض لأهلها، هذه الأرض لسكانها، هذه الأرض للكنعانيين الذين كانوا هنا قبل 5 آلاف سنة، ونحن الكنعانيون".
    وفي نهاية كلمته، وعد عباس سكان المخيم بسيارتي إسعاف وببناء طابق جديد لمركز المخيم لذوي الاحتياجات الخاصة.
    تعرضُ تقدِمة عباس الهزيلة للاجئين الذين عانوا طويلاً تناقضاً محبطاً مع المكافأة التي تمنحها دولة إسرائيل للمستوطنين الذين يقطنون عبر الشارع من مخيم الجلزون فحسب. ويبهتُ خطابه أمام إنجازات نتنياهو المبنية بالطوب والإسمنت، والتي يراها سكان مخيم الجلزون والأماكن الأخرى في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية وهي تتوسع وتتمدد أمام أعينهم.
    في الوقت الذي يواجه فيه الزعيمان المستقبل، فإن نموذج انخراطهما ليس إجماع أوسلو المضطرب، وإنما التأكيدات الأكثر عدوانية على الرؤى المتنافسة والعدائية، التي تسترشد بالواقع الوحشي الذي تشكله هيمنة إسرائيل على الضفة الغربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.
    يحتمل كثيراً أن ينطوي عباس على مقت للتعاون الأمني مع إسرائيل، الذي يُعرِّف -ويجعل من الممكن- وجود السلطة الفلسطينية في حد ذاته. ولا شك في أن تصريحاته من حين لآخر عن إنهاء هذا التعاون تعكس بشكل أصيل تفضيلاته الشخصية، ولكن لا يخلطنّ أحد بين رغبته وبين قدرته على التنفيذ. إنه يفتقر إلى السيادة في بلده، وهو يفهم أن مثل هذا التعاون، حسب تعبيره الخاص، "مقدس". وفي هذا على الأقل يتفق هو ونتنياهو.

*زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Netanyahu and Abbas offer antagonistic visions, no glimmer of compromise