نتنياهو يحيّد الجيش والمخابرات

واحدة من أبرز مؤشرات حُكم بنيامين نتنياهو في السنوات الأخيرة، أنه يسارع الخطى في تقليص وزن مواقف وتقديرات قيادة الجيش وأجهزة المخابرات، في القضايا ذات الطابع الأمني، ولاحقا يخطط أيضا إلى اعطاء وزن أكبر للجهاز السياسي في قرار شن الحرب. وبذلك يكسر نتنياهو تقاليد وأسس حُكم كانت قائمة طوال الوقت، لتكون القرارات الحساسة بيد الجهاز السياسي، الذي هو حاليا تحت سيطرة عصابات المستوطنين المنفلتة. وهذا لا يعني أن الجيش أخف وطأة، ولكن حسابات الحرب والتهدئة، ستكون متعلقة أكثر بقوى سياسية أشد تطرفا وارهابية. اضافة اعلان
فمنذ أن عاد نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في العام 2009، لم تمر فترة، إلا وظهرت فيها خلافات بين مواقف وتقديرات يتخذها، وبين تلك التي لدى قيادة الجيش والأجهزة الاستخباراتية. كذلك كان في الكثير من الأحيان في خلافات وصدام مع المستوى المهني في الوزارات والمؤسسات الحكومية في مواضيع شتى. فحتى من أتى بهم نتنياهو إلى الُحكم، كي يسهّلوا عليه تطبيق سياساته، مثل المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، يصطدم مع مواقفه مرارا، مثلما كان في قانون سلب ونهب الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة، الذي ما يزال عالقا في المحكمة العليا، رغم أن حكومة الاحتلال تطبقه على الأرض، من دون "قانون".
المثل الأخير، كان يوم الأربعاء الماضي، حينما أقرت الهيئة العامة للكنيست، بالقراءة التمهيدية، مشروع قانون فرض حكم الإعدام على المقاتلين الفلسطينيين فقط، وليس على تهمة القتل بشكل عام. وصيغة القانون مفضوحة كليا، بحيث إنها لا تسري على جرائم قتل يرتكبها المستوطنون. وقد تهرب نتنياهو والوزراء والنائب المبادر للقانون، من أسئلة نواب المعارضة، عن مصير مرتكبي الجرائم ضد الفلسطينيين.
فقانون الإعدام قائم طيلة الوقت، ولكنه يقضي بأن يكون حكم الإعدام بإجماع هيئة من 3 قضاة في المحكمة العسكرية؛ ولكن من ناحية أخرى، هناك توصية دائمة من قيادة الجيش والنيابة العسكرية، بعدم اصدار أحكام بالإعدام. أما مشروع القانون الجديد، فيطلب أغلبية هيئة قضاة وليس اجماعا، كما أنه يلغي وزن توجيهات قيادة الجيش للمحاكم العسكرية.
يواجه هذا القانون معارضة كلية من قيادة جيش الاحتلال وأجهزة المخابرات، ومن الطاقم المهني في وزارة القضاء، وأيضا من المستشار القضائي للحكومة، بسبب تبعات هذا القانون على الساحة الفلسطينية، بأن تكون عمليات لغرض تحرير المحكومين بالإعدام؛ وأيضا لأن العالم لم يعد يتقبل سن قوانين جديدة بالإعدام، وهذا ما عبّر عنه الاتحاد الأوروبي في بيان خاص. وعلى الرغم من كل هذه المعارضة، إلا أن نتنياهو يصر على تمرير القانون، قائلا إن من يقرر هو المستوى السياسي.
كذلك فإن نتنياهو ومعه عدد من الوزراء، يسعون لسن قانون يجعل قرار شن الحرب من صلاحيات المجلس الوزاري المقلص للشؤون العسكرية، وليس بقرار من كامل الحكومة، كما هو القائم اليوم. وتلقى هذه المحاولة أيضا اعتراضات لدى المستوى المهني في وزارة القضاء، وغيره، كما أن أوساطا سياسية تحذر من خطورة الاجراء، الذي سيسهل صدور قرارات بشن الحروب.
وللتوضيح، فهذا لا يعني أن قيادة الجيش وأجهزة المخابرات هي أخف وطأة، أو أنها ذات "اعتدال" في المواقف، ولكن اعتباراتها تتبلور على عدة "أسس مهنية" واعتبارات تخدم المصالح الاستراتيجية العليا بعيدة المدى للكيان الإسرائيلي، وهذا ما يضع ضوابط معينة للسياسات. ولكن المستوى السياسي حاليا، خاضع كليا لعصابات المستوطنين الأشد تطرفا، وترى الكثير من الأوساط السياسية والعسكرية، أن هذه العصابات، التي يقودها التيار الديني الصهيوني المتطرف، ستدفع بإسرائيل نحو مسارات قد تنقلب على إسرائيل، وعلى طبيعة الكيان مستقبلا؛ يضاف إلى هذا، القلق الإسرائيلي الداخلي، من هذا التيار الذي يتطرف أيضا دينيا، وبات يشجع أكثر قوانين الاكراه الديني، ما يشكل خطرا على طبيعة المجتمع العلماني، ويؤجج الصراعات الداخلية.
يخطئ من يعتقد أن ممارسات نتنياهو نابعة من أنه عالق تحت ضغوط اليمين الاستيطاني المتطرف، ليبقى في الحكم، فهذه هي عقلية نتنياهو التي تتملكه منذ أن ظهر على الساحة السياسية، ولكنه كان يغلّفها بقشور هشّة، حتى تساقطت ليظهر الآن أكثر على حقيقته الواضحة.