نتنياهو يعتبر اليساريين خونة

يديعوت أحرنوت

نداف ايال

اضافة اعلان

20/1/2019

بدأت حملة الانتخابات وانطلقت فيها التصنيفات كالنهر المتدفق من الكراهية. وأقام رئيس الوزراء نتنياهو لنفسه حياة مهنية سياسية من وصم خصومه كيسار، وتعريف اليسار كخيانة للهوية وللقومية (بدأ بـ "اليسار نسي ما يعني أن يكون المرء يهوديا"). ولم يمسك في أي قول توحيدي، رسمي، او حتى قول يقبل وجود يسار شرعي ما في دولة إسرائيل.
من ناحية سياسية، سيسجل نتنياهو لنفسه إرثا، فقد جعل اتفاقات اوسلو حقيقة ناجزة عندما وقع على اتفاقات الخليل ولم يلغها، أحبط استمرار تطبيقها واقامة دولة فلسطينية واتبع سياسة محافظة وحذرة في المفاوضات مع الفلسطينيين وفي عموم الاتصالات مع جيران إسرائيل.
بالمقابل، فإن حياته السياسية، في مبناها الداخلي ستتميز اساسا في أنه كرس جزءا واسعا منها لجعل كلمة "يسار" غير شرعية تماما: اعتبار رجال اليسار خونة عمليا. توسيع مفهوم اليسار بحيث يضم بشكل عملي نصف الجمهور الإسرائيلي وأكثر من ثلث اليهود في بلاد إسرائيل. هذه هي الحملة الاكثر نجاحا في تاريخ الصهيونية منذ نجاح حركة العمل في تنفيذ نزع للشرعية عن الاصلاحيين بعد اغتيال أرلوزوروف، موضوع منحها سيطرة مطلقة على مؤسسات الصهيونية على مدى اكثر من 40 سنة حتى 1977.
ما فعل لليمين الاصلاحي، الموضوع المعروف جيدا لنتنياهو، فعله هو نفسه للوسط واليسار الإسرائيليين. وفي جعبته كانت حجة دامغة، واسعة: هم لم يتخلوا ابدا عن مراكز سيطرتهم، اولئك أعضاء حزب "المباي" على اصنافهم، وبالتالي فإن ارادة الشعب لا تتحقق؛ عملاء على اصنافهم لفكرهم منتشرون في مفترقات القوة والتطهير الضروري لم ينفذ. ولا حتى بعد عشر سنوات من حكم نتنياهو المتواصل. هذه بالطبع اسطورة ظلماء، ونتنياهو يعرف ذلك جيدا.
فهو يصنف الصحافة كيسار (ذات الصحافة التي تعاون معها بسرور ضد شارون وأولمرت) كي يقلل من شدة أثر ما تكشف النقاب عنه. وهو يصنف جهاز القضاء كيسار، رغم أنه عين رؤساءه. وبين الحين والاخر، فإن تلاميذه المتحمسين يدخلون في حالة نوبة عداء ويصنفون الجيش الإسرائيلي، جهاز المخابرات، جهاز التعليم وكل الباقين هم أيضا كيسار. اما الدولة، المملكة نفسها، فتعرض كمعارضة للحكم.
هذه الامور هي بالطبع هراء وشرانية روح، ولكنها حيوية بالنسبة لليمين. المعارضة ليست قوية بما يكفي كي تكافح شدتها، كي تستنفر غدد الكفاح لدى نشطائها. والانزيمات المضادة تتجه للقتال ضد الجسد نفسه. ما يسميه الان المراسلون الذين تدهوروا إلى مطارح المؤامرة، "الدولة العميقة"، وهو التعبير الذي اخترع في تركيا؛ وفي التلفزيون تبث العروس من اسطنبول وعندنا في السياسة هذه هي الكراهية من اسطنبول.
لقد أفرغ التصنيف الخطاب الإسرائيلي من مضمونه بل وسخفه تماما بالأساس. والحجة العليا – "انه اليسار" – تستهدف تجاهل جوهر الاقوال، لتؤدي إلى النصر على اساس ضعف الصنف والعلامة. ليس للإسرائيليين ما يتحدثون فيه وكيف الواحد مع الاخر، اذا كان مضمون اقوالهم يحكم عليه على اساس تلفيق هويات قبلية. مستوطن، اصولي، يساري، ليكودي، صوت طائش على انواعه.
ما المعنى من وجود حديث اذا كان كله يبدأ وينتهي بالتصنيف. فكرة اساسية في السياسة هي أن الناس يتبنون الآراء، وليس بالضرورة يولدون بمضمون. من يشارك في تصفية هذه الموضوعية كلها، من لا يرى امام ناظريه الا النصر بكل ثمن، يدنس التقاليد الإسرائيلية. تحدث في الموضوع، هكذا كان يقول الناس ذات مرة. وليس صدفة ان هذا التعبير لم يعد مستخدما. لقد حان الوقت لإعادة احيائه.