نجاحات المسلمين الأميركيين وأحزانهم بعد 9/11

فتاة تحمل يافطة تقول "نحن مسلمون أميركيون" - (أرشيفية)
فتاة تحمل يافطة تقول "نحن مسلمون أميركيون" - (أرشيفية)

فرح بانديث* - (الإيكونوميست) 10/9/2021

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

أجبرت الهجمات المسلمين الأميركيين على تغيير هويتهم والانخراط في الحياة الوطنية. وكان نجاحهم مبنياً على الألم والصمود. فقد عنى العالم بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) أن على المسلمين الأميركيين أن يكونوا حذرين بطرق لم يكونوا بحاجة إلى مثلها من قبل. غيَّر البعض طريقة لباسهم حتى لا يتم استهدافهم. وحاول آخرون عدم ذكر دينهم. وأصبحت الهوية والانتماء عنصراً أساسيًا من جوانب الحياة اليومية. ويواصل المسلمون الأميركيون حتى يومنا هذا التفكير في من هم، وكيف ينتمون إلى الكل، وكيف يربون أطفالهم وما الذي يمكنهم فعله للتأكد من سلامتهم.

  • * *
    خشي العديد من الناس أن يعاني المسلمون الأميركيون رد فعل عنيفا بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر). وكانت هذه المخاوف مبررة تماماً. كان التحيز ضد المسلمين الأميركيين قد حدث في وقت أزمة الرهائن في إيران في العام 1979، عندما امتلأت شاشات التلفزة بصور حرق الأعلام الأميركية وهتافات "الموت لأميركا" التي يطلقها أشخاص ذوو بشرات سمراء يرتدون الأثواب الطويلة والعمامات. وبعد إصدار سلمان رشدي كتابه، "آيات شيطانية"، في العام 1988، صُوِّر الإسلام مرة أخرى على أنه دين بربري: لقد أعلن رجال دين فتوى طالبوا فيها بموت المؤلف لأنه أهان الإسلام.
    كانت رسالة الإعلام الأميركي هي أن المسلمين أناس متوحشون، يرفضون القيم الأميركية ويريدون موتها. وفي أذهان العديد من الأميركيين غير المسلمين، كان الإسلام شيئاً غريبًا وخطيرًا، يمارسه أناس يبدون مختلفين ويصلّون بطريقة غريبة. وبالنسبة للمسلمين الأميركيين، كانت تلك فترة مليئة بالخوف والتعصب والشتائم.
    كان هذا هو أساس تصور معظم الأميركيين للإسلام حتى 11 أيلول (سبتمبر). ولكن، بعد الهجمات مباشرة، كان هناك جهد سياسي منسق من الحزبين لضمان أن يُنظر إلى المسلمين الأميركيين، الذين يشكلون 1 في المائة من السكان، على أنهم جزء من أميركا يحظى بالاحترام. وبالنظر إلى الأعوام العشرين الماضية، يمكن للمرء أن يجادل بأن تلك الجهود كانت ناجحة. لدى المسلمين الأميركيين اليوم العديد من القادة المنتخبين البارزين على المستويين الوطني والمحلي. وهم يخدمون في مجالس المدارس، ويعملون في إدارات الجيش والشرطة والإطفاء، ويشكلون جزءًا من الخدمة العامة كدبلوماسيين ومسؤولين حكوميين.
    لكن على المرء أن يتوخى الحذر بشأن هذا التقييم الوردي: فالندوب والأضرار العاطفية تسري عميقاً في نفوس أولئك الذين عانوا الغضب والتحيز والعزلة والعنف والقلق المجتمعي بعد 11 أيلول (سبتمبر). كانت هذه 20 عاما صعبة. كان على المسلمين الأميركيين تقوية أنفسهم وتطوير أدوات عاطفية لمحاولة تلمس الطريق والتغلب على المخاوف التي لدى الآخرين منهم. وعلى الرغم من أن ذلك جرى على السطح، فإن المسلمين الأميركيين أبلوا حسناً وحققوا نجاحًا جيدًا منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، سوى أن شيئاً آخر كان يمور هناك، تحت النجاحات وخلف الابتسامات.
    إن المسلمين الأميركيين يعانون. وقد زادت أعداد حوادث الكراهية المبلغ عنها بعد 11 أيلول (سبتمبر) وما تزال مرتفعة. وتوضح الأبحاث الحديثة التي نشرتها "مجلة جاما" الطبية النفسية كيف تدهورت صحتهم العقلية على مر الأعوام، مع ارتفاع معدلات محاولات الانتحار. وهم يشعرون بأنهم تحت المراقبة في العمل والمساجد وفي الحياة اليومية. وتوجد العشرات من الجمعيات الخيرية التي تعمل على مساعدة المسلمين للحصول على دعم للصحة العقلية، ومقاومة التمييز والكراهية، ومعرفة حقوقهم القانونية. وقد جاءت هذه الجهود الجديدة بسبب حاجة المسلمين الأميركيين المتزايدة إلى الدعم. والتجربة العاطفية والنفسية للعيش كمسلم في أميركا صعبة. والعيش مع الشعور بأنك لا تنتمي إلى البلد الذي تسميه وطنًا والذي تحبه هو شأن مؤلم.
    انخراط متعمد
    بعد الهجمات، عرف المسؤولون المنتخبون أن الرواية العامة يجب أن تكون أن الإسلام لم يكن مسؤولاً عنها. وتم التعامل مع فصل الإسلام -الدين- عن الإرهابيين الذين يزعمون أنهم يتحدثون نيابة عن جميع المسلمين، على أنه مصدر قلق للأمن القومي على الصعيدين المحلي والدولي. ولذلك كان من الضروري أن تكون الرسائل سريعة. لقد ادعى الإرهابيون أنهم مسلمون حقيقيون. وكان على أميركا أن تظهر أننا نعرف أن هذا لم يكن صحيحًا؛ كان علينا أن نرسل رسالة مفادها بأننا نحترم الناس من جميع الأديان، بما في ذلك المسلمون الأميركيون.
    كمسؤولة في إدارتيّ كل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما، كان فضح الروايات الخاطئة وبناء الثقة والتعامل مع المسلمين جزءًا أساسيًا من عملي. وكان هناك وابل من الخطب والأحداث والصور للإشارة إلى الرأي العام الأميركي، ولكن أيضًا للعالم، بأن الأميركيين فهموا أن منظمة "القاعدة" لا تمثل الغالبية العظمى من المسلمين. ومن جانبهم، شعر المسلمون الأميركيون بأنهم مطالبون بأن يُظهروا علناً أنهم ضد الهجمات خشية أن يعتقد أي شخص أنهم يوافقون على ما حدث. (لا تحتاج الجماعات الدينية الأخرى عمومًا إلى القيام بمثل هذه الاحتجاجات العلنية عندما يرتكب أحد أتباعها فعلًا شريراً). وقد بُذلت الجهود لجعل المسلمين الأميركيين يشعرون بالأمان.
    على الرغم من أن الجهود الأولية كانت ناجحة، إلا أنه لم يكن لها سوى تأثير ضئيل ومحدود على السرد الجماعي. ظل المسلمون هم "الآخر"، حتى لو أن العنف ضدهم لم يكن حادًا دائمًا. كان الناس مرتابين وخائفين من الأشخاص الذين "يبدون مسلمين". وقد غير ذلك بشكل جذري الجو العاطفي والنفسي والفكري داخل أميركا. وتم هذا بكل أنواع الطرق.
    قبل الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، كان بإمكانك أن تمارس حياتك كمسلم أميركي ولم يكن أحد يطرح أسئلة عن كيف تصلي، وعن عدد مرات صلاتك، ومدى تدينك. كان من الصعب تخيل أن يسألك زميل في العمل: "هل أنت مسلم ملتزم؟" أو أن شخصًا غريبًا سيعلق لدى سماعه اسمك: "هل أنت مسلم؟".
    لكنّ العالم بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، أصبح يعني أن على المسلمين الأميركيين أن يكونوا حذرين بطرق لم يكونوا بحاجة إلى مثلها من قبل. غيَّر البعض طريقة لباسهم حتى لا يتم استهدافهم. وحاول آخرون عدم ذكر دينهم. وأصبحت الهوية والانتماء عنصراً أساسيًا من جوانب الحياة اليومية. ويواصل المسلمون الأميركيون حتى يومنا هذا التفكير في من هم، وكيف ينتمون إلى الكل، وكيف يربون أطفالهم وما الذي يمكنهم فعله للتأكد من سلامتهم. وبينما لم يكن المسلمون الأميركيون مجبرين في السابق على التفكير في هذه الجوانب من الهوية، فإنهم أصبحوا مجبرين على ذلك في أميركا بعد 11 أيلول (سبتمبر).
    كان أحد أصعب جوانب الحياة بعد 11 أيلول (سبتمبر) أن سؤال الولاء لأميركا أصبح دائم الحضور، يطرحه غير المسلمين، والأسوأ من ذلك، القادة السياسيون. وكان خطاب الرئيس دونالد ترامب مؤلمًا وأعاد إلى الواجهة الروايات التي كانت قد تضاءلت في السابق.
    دفعت الأجواء التي سادت بعد الهجمات المسلمين الأميركيين، الذين كانوا في البداية في موقف دفاعي، إلى الانخراط بشكل أكبر في الحياة العامة. وقد أنشأوا منظمات جديدة وأقاموا تحالفات جديدة مع مجموعات الأقليات الأخرى التي واجهت تحديات مماثلة. وأصبح المسلمون الأميركيون أكثر نشاطًا سياسيًا وبدأوا في صياغة رواية جديدة حول كون المرء مسلماً في أميركا. كانت الرواية القديمة تتحدث عن الولاء المشكوك فيه أو عدم الأهمية. وأصبح السرد الجديد هو الانخراط، والعمل، والفخر.
    أعاد المسلمون الأميركيون فحص ماضيهم وسعوا إلى تضمين تاريخ الإسلام في أميركا كجزء من الحوار الوطني. (حسب أحد التقديرات، كان ما يصل إلى 30 في المائة من المستعبدين الذين وصلوا إلى أميركا الشمالية مسلمين). وهم يصنعون الآن أفلامًا وبرامج تلفزيونية حول تجاربهم، ويطلقون برامج "بودكاست" لمناقشة الهوية والانتماء. وقد أصبح المسلمون الأميركيون -ولا سيما جيل الألفية وجيل أواسط التسعينيات- حاضرين الآن في مجالات لم تكن جزءًا من مساراتهم المهنية الثقافية التقليدية، مثل الصحافة، والكوميديا، والأزياء.
    سرد خاص بالمرء نفسه
    بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، كان بإمكان المسلمين الأميركيين أن يقرروا عدم فعل أي شيء وترك الآخرين يواصلون تعريفهم. لكنهم لم يفعلوا. على الرغم مما أحدثه هذان العقدان؛ على الرغم من القلق المستمر في عدد لا يحصى من الأماكن والمواقع؛ على الرغم من جرائم الكراهية؛ على الرغم من تحيز اليمين المتطرف الذي لطالما أجج نيران الخوف -على الرغم من كل ذلك، أعاد المسلمون الأميركيون تشكيل تأثيرهم على التجربة الأميركية المعيشة. وقد بنوا روايات جديدة حول تنويع الإسلام في أميركا ولماذا هو مهم.
    ولكن، على الرغم من هذا التحول، ليس كل شيء على ما يرام. لا يستطيع المرء أن يتجاهل الصعوبات بقول إن المسلمين الأميركيين أصبحوا أكثر انخراطًا في الحياة الأميركية أكثر من أي وقت مضى. إن وضوحك بشأن السبب في حدوث التغيير هو أمر بالغ الأهمية: إنه آلية بقاء لمقاومة الألم والعزلة. والكراهية آخذة في الازدياد في أميركا؛ إنها صناعة نامية. وحتى لو تم دمج المزيد من المسلمين الأميركيين في المجتمع السائد، ما تزال هناك مخاوف حاضرة بشأن السلامة، وما تزال هناك أسئلة حول الانتماء.
    الآن، باتت الأخبار عن سيطرة طالبان على أفغانستان مرة أخرى تجلب صور الوحشية وكراهية أميركا إلى الحوار الوطني. وعاد العبء الواقع على المسلمين الأميركيين لشرح الأحداث وإثبات ولاء المرء إلى إظهار نفسه مرة أخرى، ولو كان ذلك بشكل مختلف. بالنسبة لأولئك الذين نشأوا كمسلمين أميركيين بعد 11 أيلول (سبتمبر)، فإنهم لم يعرفوا أبدًا وقتًا لم يتم فيه استنطاقهم بشأن عقيدتهم أو ثقافتهم أو تراثهم. ومن نواحٍ كبيرة وصغيرة، أصبحت فكرة أنك غير منتمٍ جزءًا من طريقتنا الأميركية في الحياة.

*Farah Pandith: مسؤولة سابقة في إدارات الرئيسين جورج دبليو بوش وباراك أوباما. كانت مديرة المبادرات الإقليمية للشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في 2004-2007، وفي العام 2009 عينتها وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، ممثلة خاصة للمجتمعات الإسلامية. عملت في المجلس الاستشاري للأمن الداخلي في الفترة 2015-2017، وترأست اللجنة الفرعية لمكافحة التطرف العنيف. وهي مؤلفة كتاب "كيف نربح: كيف يمكن لرواد الأعمال المتطورين، وأصحاب الرؤى السياسية، وقادة الأعمال المستنيرين وخبراء وسائل التواصل الاجتماعي هزيمة التهديد المتطرف"، (منشورات هاربر كولينز، 2019).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: After 9/11: Farah Pandith on the success and sorrow of American Muslims