"نجاحات" خطاب الكراهية!

مثلما لا نتحمل مسؤولية جرائم "داعش" التي استهدفتنا كمسلمين قبل غيرنا، ينبغي أيضا ألا ننساق لنجعل من الغرب كتلة واحدة، مسؤولا عن الجريمة البشعة التي نفذها إرهابي في مسجدي نيوزلندا. ولكن بالتأكيد، نستطيع أن نرى بوضوح ما الذي يمكن أن يفعله خطاب الكراهية المنفلت في عصر الانفجار التكنولوجي، وكيف له أن يؤدي إلى فعل إرهابي كبير يتم من خلاله إزهاق الأرواح بلا أي شعور بالندم، بل بنشوة لا يعادلها شيء!.اضافة اعلان
جريمة نيوزلندا البشعة هي نتاج التحشيد وصعود الشعبويات التي تستمد من التاريخ جذورا لها تتمثل بنقاء العرق والثقافة، وبالتميز البشري، وهي بهذا المنظور لا تخرج عن المفاهيم النازية التي أرست صراعا طويلا داميا، وأزهقت عشرات الملايين من الأرواح حول العالم خلال حروب عبثية لإثبات وجهة نظرها الشاذة.
منذ أحداث سبتمبر في الولايات المتحدة، بدأ الإسلام بما هو دين، يواجه ضغوطا كبيرة وتشويها متعمدا يحاول أن يلصق به صفة التطرف والعنف. ماكنات إعلامية ضخمة ساهمت في الحملة، ومفكرون ألفوا الكتب، وسياسون وقادة ألهبوا مشاعر الجماهير عبر الإعلام، وتاليا عبر منصات التواصل الاجتماعي التي وفرت لهم سهولة الحصول على جمهور. في كل مرة كانت تحدث فيها عملية إرهابية على يد جماعة إسلامية متطرفة، كان العقل العنصري ينسى خصوصية الأفكار التي تنطلق منها تلك الجماعات، ليقرر أن عملها نابع من الدين نفسه، حتى وصلنا إلى تشويه كامل للإسلام، صار معه هذا الدين الحنيف مرادفا للعنف وللكراهية!.
لكن الأمر لم يقف فقط، عند حدود القادة الجماهيريين، بل تعداه نحو السياسيين ورجال الدين الذين أسهموا هم أيضا في صعود خطاب الكراهية، فنحن لا ننسى أن الأعوام القليلة الماضية ساهمت في صعود قادة شعبويين في الغرب، استدعوا خطابا بائدا عن تميز الأمم والشعوب الغربية، في مقابل التقليل من شأن الشعوب الأخرى، خصوصا في مواجهة موجات الهجرة واللجوء التي اضطرت كثيرين إلى الهرب باتجاه أوروبا، وما رافق ذلك من جدل واسع حول التغيرات الديمغرافية والثقافية التي يمكن أن تحدثها تلك الهجرات.
أولئك السياسيون الصاعدون استندوا لوصولهم إلى السلطة على خطاب كراهية، وأسسوا لرسم ملامح العلاقة بين المجتمعات المحلية والوافدين الجدد، حيث استطاعوا من خلاله أن يحققوا النجومية والجماهيرية، كما استطاعوا بالتأكيد أن يبنوا سدا عنصريا كبيرا مع الوافدين، منعوا من خلاله إمكانية تقبلهم وإدماجهم داخل تلك المجتمعات.
جريمة نيوزلندا ستظل وصمة عار في جبين الشعبويين والعنصريين والمتطرفين، ومن الطرفين؛ فهي جريمة سوف تعمد إلى إطالة عمر الإرهاب، خصوصا أنها هزت جميع المجتمعات الإسلامية حول العالم، وحظي ضحاياها بتعاطف الجميع، ولن نكون متفاجئين إن نحن صحونا في يوم قريب على إسلامي متطرف، أو تنظيم ما يعلن تنفيذ عملية ثأرية باسم ضحايا مسجدي نيوزلندا!.
إذا أردنا أن نستعيد العقل وسط هذا الكم الهائل من الخراب، فعلينا أن نعمد إلى تجريم خطاب الكراهية؛ عربيا وعالميا، وألا نسمح للمتطرفين أن يقودوا خطواتنا المقبلة، ولا أن يرسموا لنا علاقاتنا مع الآخر التي تتشابك كثيرا، ولا يمكن لنا أن نكون بمنأى عن التعاطي معها.
نعم؛ يزدهر في الغرب اليوم خطاب كراهية واسع، يؤثر، خصوصا في الفئات الشبابية، ويقود خطواتها نحو مزيد من الانغلاق، ونحو صدامية دائمة مع كل ما لا يشبه عوالمها الغربية!.