"نحاس ضانا" يثير أسئلة "مياه التعدين"

محمية ضانا في جنوب المملكة - (أرشيفية)
محمية ضانا في جنوب المملكة - (أرشيفية)

فرح عطيات

عمان - فيما ترتفع حدة التحذيرات من الاقدام على استخراج نحاس محمية ضانا، تبرز مخاوف جديدة حيال المياه التي ستستهلكها عملية استخراج هذا المعدن، إذ يقول خبراء إن عمليات استخراج أطنان النحاس الصافي من منطقتي ضانا وخربة النحاس تتطلب كميات كبيرة من المياه، ربما تصل الى نحو 11 مليون متر مكعب لكل 50 الف طن من هذه المادة، أو أكثر من ذلك إلى نحو 25 مليون متر مكعب.اضافة اعلان
وجاءت هذه التوقعات بناء على سيناريوهات حسابية مختلفة للاحتياجات المائية السنوية لاستخراج هذه المادة، وضعها خبراء في شؤون التعدين واقتصاديات البيئة، في ضوء ما يعانيه الأردن من عجز مائي يتراوح ما بين 400 مليون إلى 500 مليون متر مكعب سنويا، وفي كافة الاستخدامات، يقابلها إجمالي فاقد يقارب 45 بالمائة من شبكات المياه كافة، وفقاً لإحصائيات وزارة المياه والري.
غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن "الخطورة" تكمن في كيفية معالجة المياه الناتجة عن عملية الاستخراج، علما أنها تحتوي على عناصر كيميائية مثل مادة الزئبق، الى جانب المنغنيز ذات التأثيرات الصحية والبيئية السلبية، وفق الأستاذ الجامعي في مجال اقتصاديات البيئة د. عامر الجبارين.
ولفت الجبارين الى أن التخلص من هذه المياه يتطلب اتباع عمليات دقيقة علمياً، تفادياً لتسربها الى مناطق مختلفة، في وقت يقع في منطقة وادي الأردن حوضان مائيان أحدهما في البحر الميت، والآخر في وادي عربة.
وحول الاحتياجات المائية للاستخراج، أكد أن متوسط الاحتياجات المائية السنوية المتوقعة لاستخراج طن النحاس الصافي في منطقتي ضانا وخربة النحاس، يتراوح ما بين 23603 أمتار مكعبة إلى 509 أمتار مكعبة في الحد الأقصى.
وبناء على ذلك، وبحسبه، فإن "الاحتياجات المائية لاستخراج 50 ألف طن من النحاس الصافي، يقدر بنحو 11 مليون متر مكعب، في حال تم احتسابه ضمن المتوسط البالغ 23603 أمتار مكعبة".
لكن هذه النسبة قد ترتفع، على حد قوله "إذا تم احتسابها على الحد الأعلى من الاحتياجات المائية التي يتطلبها استخراج الطن الواحد، والمقدرة بـ 509 أمتار مكعبة، بحيث يحتاج استخراج ٥٠ ألف طن ما يزيد على 25.5 مليون متر مكعب من المياه".
وأشار لـ"الغد" إلى أن "متوسط كمية المياه المستخدمة يختلف لكل باوند من النحاس المستخرج من منجم إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، حيث تتغير معدلات التعدين، والمعالجة، مع تذبذب أسعار السوق".
وحول طريقة حساب الاحتياجات المائية لاستخراج النحاس في وادي عربة، بين الجبارين أن "كل باوند يتطلب 28.8 جالون، أي ما يعادل 0.1070 مترا مكعبا من المياه، علما أن كل طن نحاس يبلغ نحو 220406 أرطال".
ولفت الى أن الحكومة تشير الى أن الاحتياطيات الخام من النحاس تبلغ 45 مليون طن في ضانا وخربة النحاس، وإذا تم افتراض أن التعدين سيتم على مدى 20 سنة قادمة، فإن المستخرج قد يقدر بمليوني طن خام سنويا، أو نحاس صاف بمقدار ألفي طن، وبمعدل نسبة نحاس 2.5 بالمائة في الخام المستخرج.
ويتم استخراج النحاس بعدة طرق مختلفة، منها القيام بعملية الحرق، أو باستعمال المياه والمواد الكيماوية المختلفة، أو من خلال الأحواض المائية الكهربائية، في حين أن العالم الآن يتوجه نحو إعادة تدوير المياه بنسب تصل إلى 50 بالمائة في العملية، وفق مدير عام الشرق الأوسط للتنمية الإقليمية صلاح أبو شربي.
ولفت شربي لـ"الغد" إلى أن الاحتياجات المائية ترتبط بشكل أساس بالمنتج النهائي للنحاس، إلا أن كل طن من النحاس يتطلب ما بين 2 إلى 3 أمتار مكعبة من المياه، والتي تعتمد على التكنولوجيا، والعملية المتبعة، فعلى سبيل المثال فإن اعتماد نظام التعويم يعمل على تقليص كميات المياه.
وربط إمكانية توفير الاحتياجات المائية المطلوبة لاستخراج النحاس بإقامة سدود مائية في منطقة المشروع، سواء من قبل المستثمر، أو الحكومة، أو باللجوء الى إنشاء الأحواض والبرك المائية، والتي قد تسهم بتوفير كميات من المياه لأبناء المجتمع المحلي في محافظة الطفيلة كذلك.
وشدد على أن كافة التكاليف المتعلقة باستخراج النحاس والمشروع بحد ذاته، لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار من قبل المستثمرين قبل الخوض فيه، سواء ما يتعلق بتكاليف الكهرباء، أو المياه، والآليات وغيرها.
لكن رأي الدكتورة في مجال الجيولوجيا الاقتصادية د. ختام الزغول جاء مخالفاً لما طرحه الخبراء السابقون، إذ أكدت أنه "لا يمكن في الوقت الحالي معرفة الاحتياجات المائية المطلوبة لاستخراج النحاس، في ظل عدم وجود أرقام صحيحة وواقعية لاحتياطات الخام في الأردن".
ورغم ذلك، وبحسبها، فإن "عمليات التعدين تتطلب بصورة عامة كميات كبيرة من المياه، الى جانب التكاليف التشغيلية التي تعد الأعلى مقارنة بها".
لكن، ومن وجهة نظرها، فإن "ما نحتاجه في الوقت الحالي وجود دراسة حقيقية تظهر بالأرقام كميات الاحتياطي من النحاس الخام، لأن كافة المؤشرات التي يتم تداولها حاليا من الحكومة والشركة التي قامت بعملية الاستكشاف لا تعكس الواقع الحقيقي".
واستندت في رأيها إلى دراسات بحثية كانت أجرتها مع مجموعات طلابية في الآبار التي تم حفرها من قبل مجموعة المناصير، وأثبتت نتائجها أن أرقام تراكيز النحاس كانت أقل من 1 بالمائة.
وكانت كشفت دراسات سابقة لسلطة المصادر الطبيعية السابقة عن تضارب بين أرقام احتياطي النحاس الخام، ففي الوقت الذي أشارت فيه الى أن كميات احتياطي النحاس في منطقة وادي عربة تصل إلى نحو 52 مليون طن، جاءت تأكيدات وزارة الطاقة والثروة المعدنية مغايرة حولها، إذ قدرت الكميات بنحو 45 مليونا، لكن في منطقتي فينان وخربة النحاس فقط.
غير أنه، ومن دون إجراء دراسة جيولوجية ناضجة ومتكاملة، فإنه، وفق المهندس في مجال التعدين غسان النوايسة: "لا يمكن معرفة نوع العملية التي ستتبع في استخراج النحاس، علما أن الخام المتوفر في الأردن لا يتناسب معه سوى اتباع سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي يطلق عليها ترشيح الكومة لاستخلاصه".
وبين لـ"الغد" أن "التكاليف لا يمكن تحديدها في الوقت الحالي، لأن الاستهلاك الفعلي لكل مادة مستخرجة تختلف، حيث من الممكن استخدام حامضي الكبريتيك والفوسفوريك".
وأضاف أن "الجزء الأساسي من اقتصاديات الخام تعتمد على الحاجة لهذا الخام على الصعيد المحلي لغايات التصنيع اللاحق، أو لتغطية الاحتياجات الدولية، والتي ترتبط جميعها بصورة مباشرة بالعمليات التي ستتبع في عملية الاستخراج، والتي في ضوئها يتم تحديد التكاليف والعائد المالي لها.
ونوه النوايسة إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، عند تحديد التكاليف المالية لعملية استخراج النحاس، أن لا تتجاوز نسبها التكاليف المطلوبة لعملية إعادة تأهيل الموقع، والتي لا يمكن أن يتم تحديدها الا من قبل متخصصين في هذا المجال.
واعتبر أن تحديد الدخل المتأتي من عملية استخراج النحاس قبل معرفة كافة التفاصيل المتعلقة بالتكاليف، وعملية التشغيل، وإجراء الدراسة الجيولوجية، يعد أمراً محفوفاً بالمخاطر، ما يتطلب دراسة هذا الموضوع بشكل متأن، لضمان الحصول على أكبر فائدة من النحاس، سواء للمجتمع المحلي أو للجهات الأخرى.
وشدد على أن هنالك تكنولوجيات يتم استخدامها في الدول المتقدمة، أهمها ما يسمى بالغسيل الجاف، والمعتمدة على الفصل الفيزيائي، لكنها مكلفة مالياً.
وفي 11 أيار (مايو) الماضي سجّلت سوق العقود الآجلة للنحاس أعلى مستوى تاريخي لها، حيث بلغ سعر رطل النحاس 4.76 دولارات، وبدأ هذا المسار يظهر اعتباراً من آذار (مارس) 2020، وهو مدفوع بعدة عوامل على جانبي العرض والطلب، من أبرزها تكنولوجيا الطاقة الخضراء وصناعة البطاريات، وانخفاض تعدين النحاس بسبب جائحة كورونا، وفق ما نشرته وسائل إعلام عربية.
وهنالك طريقتان للتعامل مع عملية استخراج النحاس، حددها المستشار في مجال الصناعات التحويلية المهندس نضال القوسي، وأهمها: القيام بعملية التعدين، والفرز، والتصنيع في مكان الاستخراج ذاته، أو أن يتم إجراء التعدين في منطقة ضانا، على أن يكون التصنيع في محافظة العقبة على سبيل المثال، لاستخدام تقنية تحلية مياه البحر في هذه العملية.
وأضاف القوسي أن من الممكن اتباع ما يسمى بـ"النظام المفتوح" لعملية التعدين، من خلال استخدام المصاطب وغيرها، لتوجيه المياه السطحية، لتجميعها في منطقة محددة، على أن يتم الاتفاق من قبل الحكومة مع الشركة، بتوزيع كمية المياه بينها وبين أبناء المجتمع المحلي، لتحقيق فائدة مشتركة.
وتابع: "لا بد أن تحلل الخامات المستخرجة، ومن ثم توضع خطط تعدين، لاعتماد أفضل العمليات الاستخراجية وأقلها تكلفة في ذات الوقت، مع الأخذ بعين الاعتبار الأثر والضرر البيئي المترتبين على المشروع.
ولفت الى أن التوزان بين التكاليف التي سيتم إنفاقها مع العائد المالي المحقق من المشروع أمر في غاية الأهمية، وضمن شروط تضعها الحكومة على المستثمر، الى جانب تشكيل لجان فنية متخصصة في هذا المجال، والتي بناء عليها يتم التحكم بمعدلات المياه عبر العملية التي سيتم اتباعها في نهاية الأمر.