نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا

يحكى أنه في سنة 1258، قبل 757 عاما، احتل المغول بغداد، فقتلوا ما يقرب من مليون شخص من المدينة ومحيطها، وأحرقوا مكتبة بغداد، فتحول لون نهر دجلة إلى اللون الأسود، من آثار الحريق وذوبان الأحبار، ومداد الكتب.اضافة اعلان
طمس المغول، وقت ذاك، حضارة وعلما وتفكيرا، وفلسفة، وتاريخا لم يصلنا منه إلا ما أراد البعض أن يصلنا منه، وغاب التاريخ الآخر، فبتنا نبحث عن تاريخنا المكتوب الموثق عبر ما يقوله الرواة والمنتصرون.
ذاك فعله المغول بقيادة هولاكو قبل سبعة عقود ونصف، اليوم يتكرر المشهد، فيقوم "مغول" العصر الحديث الذين يطلق عليهم عصابة "داعش" الإجرامية، بالأمر عينه، فيقومون بحرق عشرات آلاف الكتب الأدبية في المكتبات الخاصة والجامعية داخل مدينة الموصل أمام جموع الناس، حيث قاموا بجمع الدواوين الشعرية والروايات وقصص الأطفال والشعر والفلسفة، ومجلدات عن الرياضة والصحة والثقافة والعلوم، وغيرها من المؤلفات الأدبية، وعمدوا لحرقها أمام أنظار الناس، وقال مسلح أثناء عملية الحرق إن "هذه الكتب تروّج للكفر وتدعو إلى عصيان الله، لذلك ستحرق!!".
ولاحقا بثت العصابة عينها شريطا مصورا يبين تدميرها لآثار قديمة موجودة في متحف نينوى بمدينة الموصل التاريخي، من بينها تماثيل تعود لحضارات بلاد الرافدين، وتمثال للثور الآشوري المجنح يعود تاريخه للقرن التاسع قبل الميلاد.
هُم يكرهون العلم والعلماء، والثقافة والفنون، يريدون تجهيل الأمة، كما حال شيوخهم الذين يريدون تشويه صورة الإسلام المتسامح، وتقديمه للعالم كدين دموي يرفض الآخر، ولكن أنّى لهم ذلك.
هُم يحبون القتل، ونحن نحب الحياة، هم يعيشون بين الظلمة والأوكار، ونحن نحب الشمس وضوء النهار، هم ظلاميون قتلة، ونحن حداثيون، هم يرفضون الآخر، ونحن نحترمه، هم طائفيون سوداويون منغلقون، عنصريون، إرهابيون، ونحن متسامحون، معتدلون منفتحون أحرار، هم يبحثون عن الجهالة والتخلف، ونحن نبحث عن العلم، هم يريدون العودة للسبي والأسر، ونحن نبحث عن التقدم.
هُم غيرنا، فاخرجوا يا انتم، من جلدنا، اخرجوا من شرايين جسدنا، خذوا راياتكم، وأقفاص حرقكم، وسكاكين ذبحكم، وخذوا فتاواكم المنحرفة، وانصرفوا من شامنا وعراقنا، ومن كل شبر من أرضنا، من سمائنا، من كل ركن في ديارنا، وانصرفوا.
رغم كل ما تفعلونه، سنبقى نبحث عن الحب والحياة، نغني ننشد نفرح، نتمتع بالحياة، ونكتب الأشعار، لن تستطيعوا الوقوف أمام قطار الحياة، لن تستطيعوا قلب الكون وتشويه الحاضر، لن نمنحكم الحق في أن تكونوا الناطقين باسم ديننا.
قد يكون سادتكم أمّنوا لكم فسحة من الزمان والمكان والتمويل والأموال، ولكن إرادة الحياة ستبقى أكبر منكم، وأكبر من الصغار الذين قد يسكنون بين طرقاتنا يبثون سموم طائفيتهم وحقدهم وكرههم للآخر.
سنبقى نقولها بملء الفيه، حان وقت مراجعة كتبنا ومناهجنا المدرسية وتنظيفها من كل فكر داعشي علق بها، وسنبقى نطالب دوما بمراجعة ما يدرس في جامعاتنا وما علق في رفوف مكتباتنا من أفكار داعشية قديمة وحديثة، وسنبقى نقول إننا نريد دولتنا مدنية حضارية عصرية.
لهذا كله سنردد بصوت عال دوما ما كتبه الكبير محمود درويش وما غناه الرائع مارسيل خليفة ونقول:
ونحنُ نحبُ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاَ.... ونرقصُ بين شهيدينِ ... نرفعُ مئذنةً للبنفسجِ بينهما أو نخيلاَ.
ونحنُ نحبُ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاَ... ونسرقُ من دودة القَزِّ خيطا
لنبني سماءً لنا ونُسيِّجُ هذا الرحيلاَ...... ونفتحُ باب الحديقةِ كيْ يخرُجَ الياسمينُ  إلى الطّرقاتِ نهارا جميلاَ.
ونحنُ نحبُ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاَ.... ونزرعُ حيثُ أقمنا نباتا سريع النُّمُوِّ،  ونحصدُ حيثُ أقمنا قتيلاَ.... وننفخُ في النايِ لونَ البعيدِ البعيد،
ونرسمُ فوق تُرابِ الممرِّ صهيلاَ... ونكتبُ أسماءنا حجرا حجرا، أيها البرقُ أوضحْ لنا اللّيلَ، أوضحْ قليلاَ.
ونحنُ نحبُ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلا