نحن والتكنولوجيا!

لا يسمح التطور التكنولوجي، بكل أشكاله الحالية والمستقبلية، بمزيد من الاسترخاء لأولئك الذين لا يلحقون بقطار التنمية ضمن أدوات وتقنيات اللحظة الراهنة. والواقع الاقتصادي في المحيط العربي يشير إلى غياب الربط المطلوب بين مسار التكنولوجيا ومضامينها من جهة، وبين طبيعة أداء وعمل المؤسسات من جهة ثانية.اضافة اعلان
تكشف دراسات عربية أن 90 % من الشركات الصغيرة في الدول العربية غير مهيأة للتعامل مع التكنولوجيا الرقمية، في موازاة هشاشة في الشركات الكبرى حيال فهم التسارع في الابتكارات والحلول الرقمية. وهذا الأمر يهدد وجود هذه الشركات، كما يدلل على أن مثل هذه الطريقة في الإدارة ستنتهي إلى إخراج هذه الشركات من الأسواق في العقد المقبل.
من المؤسف، بل المحزن، أن تقوم شركات كبرى في العالم العربي بالتعامل مع موظفيها بمنطق السجين والسجان؛ فثمة كاميرات تراقب الموظفين وتحاسبهم على كل حرف يخرج من أفواههم. وهي الطريقة التي تنطوي على شك بولاء الموظف وقدرته على تعزيز المبيعات أو التسويق لمنتجات شركته. ولا أعلم ما المعنى الذي يقف خلف وضع كاميرا لمراقبة موظف ناجح مضى على عمله في الشركة 15 عاما. بل إن وسائل التواصل الجديدة ممنوعة على هؤلاء الموظفين. ويكون الأمر مريبا عندما نعلم أن بعض شركات اتصالات تقطع خدمات الإنترنت عن موظفيها.
وتخشى إدارات تقليدية من تسلل الابتكارات الرقمية إلى أنماط معالجة المشكلات التي تواجه الشركة؛ فبدل اللجوء إلى الابتكارات والبرامج العصرية في معالجة أزمات الشركة، تلجأ الإدارة إلى الحلول الملتوية والبدائية والشخصية، بما يظهر عداء مستحكما بين الشركة والتكنولوجيا، فيصبح الحديث عن الحاكمية والأسس الشفافة في تسيير العمل في المؤسسة ترفا لا مكان له في شركات مختطفة من قبل حفنة من المسيطرين على أوضاعها، بدءا من إشهارها وصولا إلى تصفيتها.
التوقعات تذهب إلى أن العام 2020 سيوصلنا إلى "الحوسبة الشبحية"؛ بحيث يكون الكمبيوتر صغيرا جدا ويعمل بسرعة وكفاءة عاليتين، وترتبط به "معالجات" متناثرة في كل مكان، تستطيع التعرف على الأشخاص وتحليل نفسياتهم أينما كانوا. ويكون بقدرة هذه المعالجات الدقيقة التفاعل مع الأشخاص وإخبارهم بما لديهم من أمراض. كما ستتطور أجهزة الكمبيوتر إلى مخاطبة بعضها بعضا بعيدا عن الإنسان كوسيط بينها، ما يتيح تدفق البيانات على نحو سري بين الكمبيوترات، الأمر الذي سيؤدي إلى ظهور تطبيقات استثنائية وعديدة تغير واقع تعامل الأفراد مع البيانات الإلكترونية.
كل هذا التطور والتسارع التكنولوجي وغيره؛ من منازل وأجهزة ذكية في غضون السنوات المقبلة، يقابله ارتداد إلى الخلف في طريقة تعاطي كثير من الشركات في المنطقة العربية مع ثورات المعرفة، وتحديدا في شكل العلاقة بين الإدارة والموظفين، تلك العلاقة التي تبنى على الشك والقلق وانعدام الثقة، بينما يحتاج الاقتصاد الرقمي في قابل السنوات إلى ترسيخ الثقة حتى يتسنى البناء على كل الابتكارات التقنية الحالية والمقبلة.
ليس مهما أن يحمل معظم الشباب والموظفين والمدراء الهواتف الذكية، وأن يغرقوا في تفاصيلها طويلا. المهم أن تكون علاقات العمل والاقتصاد مبنية على أسس ذكية، لا مكان فيها للهشاشة والركاكة. وحتما سيؤدي تعزيز الثقة إلى منح هذه العلاقات فضاء أكثر رحابة في مجال الإبداع وإتقان العمل والإخلاص للشركات. فمن غير المعقول أن يضع المرء هاتفا ذكيا يرسم أشكال تواصله مع الآخر، بينما يبقى الشخص ذاته محكوما بعلاقات بالية ملؤها الشك والقلق والارتباك!