نحو الأفضل أم الأسوأ؟

لو أتى إليك صديقٌ (لا تشك بمعلوماته ورأيه) في العام 2010 (مثلاً) وقال لك أعتقد أنّنا في الأعوام القليلة القادمة سنرى معمر القذافي مقتولاً، وزين العابدين هارباً، ومبارك مسجوناً، وعلي صالح (محروقاً ومنفياً)، وأنّ بشار الأسد سيحرق سورية ومدنها قبل أن يلقى مصيراً شبيهاً برفاقه في الحكم، في أحسن الحالات ستعتقد أنّه أصيب في عقله!اضافة اعلان
المشهد العربي في العام 2010 كان أبعد ما يكون عن معطيات الثورة الذاتية، فردود فعل الشارع العربي وتفاعلاته مع الشؤون السياسية
- التي تمس عصب حياته اليومية ولقمة خبزه وحريته- لم تكن لتنبئ بهذه الثورات التاريخية الكبرى، فهي كالبركان الذي انفجر ليغيّر كل شيء في عالمنا، وينقلنا إلى مرحلة تاريخية وسياسية جديدة.
في اللحظة التاريخية الراهنة، نجد ديمقراطيات ناشئة تواجه تحديات سياسية وأمنية وأزمات اقتصادية عاصفة، في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن، وجرائم وحشية يرتكبها النظام السوري في وجه الشعب الثائر، ودول تحاول أن تتكيّف مع هذه التحديات بإصلاحات ذاتية، بدرجة كبيرة مثل المغرب، ودرجة أقل بكثير وأكثر تواضعا مثل الأردن، ودول ما تزال تراهن على ثرواتها المالية، مثل الخليج، بالرغم من تخلخل الأوضاع نحو أزمة سياسية طاحنة في الكويت، وانقسامات سياسية واجتماعية عميقة في البحرين.
ثمة قراءتان متداولتان في أوساط النخبة المثقفة العربية لهذه التحولات؛ الأولى المتشائمة، لدى نخب يسارية وعلمانية، انقلبت ضد الثورات مع انفجار الثورة السورية، واعتبرتها – بأثر رجعي- مؤامرة كونية لتقسيم جديد للمنطقة (سايكس بيكو2)، وتفتيت المجتمعات لصالح المشروع الصهيوني.
أمّا القراءة الثانية؛ فهي متفائلة بأنّ الشعوب والمجتمعات العربية دخلت إلى العصر الديمقراطي، وما التحديات والمنعطفات التي تواجهها إلا ممرّات إجبارية للخروج من عصر الظلمات الاستبدادي، إلى عصر الديمقراطية والحرية، ومهما تباطأت المسارات، فإنّ المحصلة ستكون أفضل مما سبق.
الأولى تنظر إلى الدماء العربية التي سالت في ساحات وميادين الحرية والثورة، وفي مواجهة السلطات، بأنّها "قربان" للأميركان والإسرائيليين، والثانية تنظر لها بوصفها قرباناً للحرية ووقوداً لتدشين عصر جديد.
بالرغم من المخاوف والهواجس التي تنتابنا اليوم، ومن خطورة الأجندات الغربية اللئيمة، التي تسعى إلى حرف الثورات الديمقراطية عن مسارها، وتدجينها وترويضها، ومن المرارة من الدماء التي سفكت لهؤلاء الشباب الأبطال، بخاصة في سورية..
وبالرغم، كذلك، من سعي النظام السوري إلى قلب الموازين وتحويل الثورة إلى حرب أهلية وطائفية، تجتاح المنطقة، وتغرقنا في أوضاع مأساوية، بالرغم من المرارة والحزن ونحن نرى مخيمات للسوريين، ليس جراء القصف الصهيوني، بل الجيش السوري..
بالرغم من كل ذلك؛ فإنّني محكوم بالأمل - الذي يجتاح قلبي- بأنّ المخاض الحالي (على ما فيه من آلام ودماء وجروح) مؤذن بما هو أفضل للأجيال القادمة..
الديمقراطية والتنمية والنهضة هي عمليات متواصلة تاريخية، محصلة سنن اجتماعية سببية، لم تأتِ بلحظة واحدة، بمجرد انهيار الأنظمة البائسة، وانعتاق الناس من ثقافة الخوف والنفاق للسلطان. لكن – في الوقت نفسه- فإنّ الدخول إلى دورة التاريخ مرّة أخرى، والخروج من حالة الركود واليأس والإحباط والفشل الشمولي في واقعنا العربي، يحتاج إلى شرط أساسي ومفتاح رئيس، ألا وهو الحرية.
مصر وسورية هما حجرا الزاوية في رسم المستقبل السياسي العربي. في مصر بالرغم من رهان البعض على فشل الثورة، فهي تتجاوز كل العقبات، وتسير إلى الأمام، بكثير من التعثرات. أما في سورية، فمع كل الدماء والمجازر، فإنّ الثورة تنتشر وتتمدد، والانشقاقات تزداد، والنظام ينعزل، والأمل يتّسع بنهاية قريبة لهذا المجرم وعصابته.
مع عيد الفطر؛ دعونا نتمسّك بالأمل بأنّنا في عيد الأضحى القريب سنحتفل  بالربيع يكسو الشام، ويزهر في مصر، وبتدشين الطريق إلى عصر الديمقراطية والنهضة، كل عام وأنتم بألف خير.

[email protected]