نحو تجريم الكراهية

الدرس الأساسي من قصة القس المجنون تيري جونز (ابنته تصفه بهذا الوصف) أن المجتمعات الديمقراطية العريقة مهددة في أي لحظة من قلة مريضة بإمكانها استخدام الإعلام لنشر الكراهية والعنصرية.

اضافة اعلان

لم ينجح القس في تنفيذ تهديده لكنه نجح في تصدر وسائل الإعلام، وغدا على قلة أتباعه عنوانا من عناوين المجتمع الأميركي، وبإمكانه ركوب موجة أي حدث مقبل لتصبح أفكاره المعزولة ذات حضور وانتشار. وهذا ما سبق أن حققه النائب الهولندي العنصري فيلدر.

وبما أن الديمقراطية عندنا "خداج" وليست عريقة فإن تهديد دعاة الكراهية والعنصرية أخطر. وهؤلاء الدعاة سبق لهم أن نجحوا في العراق ولبنان والجزائر.. في إشعال الحرب الأهلية وتدمير النسيج الاجتماعي. ولا يوجد مجتمع بشري محصن أمام هذه الدعوات. فأوروبا تورطت في الهولوكوست بعد موجة من الكراهية ضد اليهود، ولم تكن أدبيات تلك المرحلة تختلف عن أدبيات الحروب الأهلية عندنا، كان الحديث عن أزمات اقتصادية حمل اليهود مسؤوليتها، كان ثمة "هويات قاتلة" ومجتمعات نقية.

الثقة الزائدة بالنفس تساوي الإهمال وقد تكون قاتلة. فقد يقضي مريض بسبب ارتفاع الكوليسترول إن أهمل، وقد ينجو مصاب بالسرطان إن تنبه. ليست دعوة لإثارة مخاوف غير موجودة، ولكنها تحذير من أصوات هامسة قد تتحول إلى جلبة وضجيج. فلا يجوز التساهل مع من يتحدث عن "احتلال" فلسطيني للأردن مقابل من يتحدث عن "تطهير عرقي" للفلسطينيين.

هذه مفردات كراهية وعنصرية تشكل جريمة في أكثر من نص قانوني. ومن يعتبرون هذه حرية رأي هم من في جوهرهم يدافعون عن تخبطات جونز وفيلدر وغيرهما. التسامح مع لغة الكراهية سيجعلها لغة سائدة في حال ركبت موجات الأزمات الاقتصادية والسياسية.

فرق كبير بين اللغة العلمية التي تتعامل مع قضايا حساسة في تاريخنا ومستقبلنا وبين اللغة التحريضية التي تثير الكراهية. لنتحدث عن وحدة الضفتين وأحداث أيلول وقمة الرباط وفك الارتباط وتوزيع الدوائر الانتخابية وسحب البطاقات.. وقد سبق أن نوقشت تلك القضايا بلغة علمية راقية لدى الأكثرية. لكن من يدقق يلاحظ تسلل دعاة الكراهية والعنصرية، وهؤلاء إن تركوا فسيعلو صوتهم ويتحول تحريضهم إلى أفعال مدمرة.

قبل أن تجرم لغة الكراهية في المحاكم يؤمل أن تجرم من الإعلام، فلا تتورط الصحافة سواء كانت تلفزيونية أم مكتوبة أم إلكترونية في إشاعة الفاحشة. هم دعاة فتنة وباحثون عن شهرة ومرضى يحتاجون تدخلا علاجيا. يستحقون الشفقة في أحسن الأحوال لكنهم لا يستحقون القبول أو الاحترام. والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه.

[email protected]