نحو ثقافة جديدة في المعلومات الائتمانية

أخيرا، منح البنك المركزي الأردني ترخيصا لأول شركة معلومات ائتمانية. وللمرة الأولى، سيتمكن الاقتصاد من بناء قاعدة بيانات يحتاجها بالفعل، لعملاء البنوك والأفراد عموما، والمؤسسات والشركات. إنها القاعدة التي طالما غابت في تفاصيلها عن روح العمل المصرفي والاقتصادي، فتسللت بدلا منها المعايير الصارمة بيروقراطيا حينا، والارتجال في أحيان أخرى.
الشركة الوليدة لتوفير المعلومات الائتمانية عن المقترضين للمؤسسات المصرفية والمالية كافة، تتجه إلى إطلاق أعمالها منتصف العام الحالي، بعد أن تستكمل توقيع اتفاقيات الشراكات مع الجهات المعنية، وعقب اختيار "الشريك الاستراتيجي" لتسهيل عملها الجديد، وحصولها على حق المعلومات اللازمة (تحت إشراف وتنظيم البنك المركزي) الذي ينطوي على ثقافة معيارية في سوقنا المصرفية بشكل خاص، والاقتصادية والمالية عموما.
شركات المعلومات الائتمانية، أو مكاتب الائتمان، تعد خطوة شفافة وحيوية في عالم المصارف والإقراض والتمويلات الفردية والمؤسسية؛ علاوة على كونها مخزنا يكشف سمعة العميل الحقيقية، وفقا لقاعدة بيانات خاصة تتراكم تبعا لسلوكيات العميل المالية، وعلاقته بالمؤسسات كافة، وعلى رأسها البنوك. بحيث تُستخدم هذه البيانات لغايات الإقراض ضمن تقييم سلوك العميل المالي، بما يتوافق مع شروط تلتزم بمعايير السلامة والأمن وسرية المعلومات، وفق نسق قانوني بحت. 
هي الأولى أردنيا، وسبقها بنحو تسعة أعوام إطلاق شركة مشابهة في السعودية. وكانت فكرة المكاتب الائتمانية قد وجدت طريقها إلى العمل في أميركا وأوروبا قبل عقود. ومما يجعلها ذات جدوى أكثر اليوم، حاجة الدول إلى تقليص درجة المخاطرة في منح القروض والتسهيلات المصرفية، كما الحاجة إلى تقييم مدى ملاءة وكفاءة العملاء، أفرادا ومؤسسات، وصولا إلى درجة يمكن من خلالها توفير معلومات واضحة عن المقترض، بما يقلل من نسبة القروض المتعثرة.
وقد شهدت نسبة الديون المتعثرة في البنوك الأردنية ارتفاعا في السنوات الست الماضية، وبلغت أواخر العام 2011 ما نسبته 8.5 % من إجمالي رصيد القروض والتسهيلات المقدمة من هذه البنوك. وإذا علمنا أن المعيار العالمي لنسبة الديون المتعثرة يبلغ 10 % من مجموع التسهيلات المقدمة، فإن وجود مكاتب للائتمان، أو شركات معنية بهذا التخصص، سيسهم حتما في تقليص نسبة القروض المتعثرة، وسيتيح للبنوك فرصا أكثر شفافية في العمل ضمن معايير حقيقية للتقييم، لا جوانب شخصية أو عشوائية فيها.
تكشف التجارب العملية في الماضي القريب، أن الاقتصاد المحلي عانى كثيرا بسبب ضعف قواعد البيانات، أو حتى انعدامها لدى قطاعات واسعة. وفي تقديري، فإن معرفة مؤسسات التمويل بحقيقة السمعة المالية للأفراد والمؤسسات، وسلوكياتهم المتراكمة حيال ذلك، سيؤسس لثقافة جديدة، تجعل الاقتصاد أقرب إلى المعلومات منه إلى الواسطات والمحسوبيات والمعايير غير الشفافة، في أحيان كثيرة.
هذه الثقافة الجديدة لن تمضي بسهولة ويسر، بل ستصطدم بعوائق الكتمان وعدم رغبة العملاء والمؤسسات في كشف المعلومات لشركات ومكاتب الائتمان. ولكنها ثقافة ستشهد تطورا تدريجيا، يؤمل أن لا يكون عسيرا، على نحو ما حدث قبل نحو عقد مع بيانات الإفصاح التي أُدرجت ضمن قانون الأوراق المالية، وأُجبرت بموجبه الشركات المساهمة العامة على تقديم معلومات للمساهمين عن الرواتب والمزايا، وأوجه الإنفاق كافة في عمل هذه الشركات. لكن شركات ظلت تماطل وتتحايل أحيانا، حتى وصلنا إلى ترسيخ هذه القواعد اليوم، وإن بصورة جزئية.

اضافة اعلان

[email protected]

@hassan–shobaki