نحو حقوق اقتصادية واجتماعية

الجدل الدائر حاليا في مصر، وربما الانقسام السياسي والمجتمعي حيال مشروع الدستور الجديد، يفتحان بابا للتساؤل عن مسار الحقوق الاقتصادية والعدالة الاجتماعية في بلد جاءت ثورته، بالأساس، لدعم هذه الحقوق، وإيجاد حلول تشريعية وقانونية لواقع اقتصادي مرير عانى الشعب بسببه عقودا طويلة.اضافة اعلان
تبعا لذلك، جاء النص الدستوري ليجيب عن تلك التساؤلات في فصل خاص معنون بـ"الحقوق الاجتماعية والاقتصادية". حيث تم التأكيد على ضمان عدالة التوزيع، والمحافظة على حقوق العاملين، وربط الأجر بالإنتاج، وتقليص الفوارق بين الدخول. كما ذهب النص إلى أن الدولة مسؤولة عن رفع مستوى معيشة الفلاحين وأهل البادية. ومثلها ديباجات تؤكد على دعم الصناعات والحرف الصغيرة وتحقيق التنمية عموما، بما يعود بالخير على المصريين.
واستوقفتني في مشروع الدستور المادة التي شددت على أن الثروات الطبيعية للدولة ملك للشعب المصري، وأخرى تعتبر أن للمال العام حرمة، وحمايتها من أهم الواجبات الوطنية للدولة والمجتمع؛ وهنا بيت القصيد. فحاكما مصر السابقان، أنور السادات وحسني مبارك، استباحا مقدرات الدولة، وعملا على تحويلها إلى شركة خاسرة بسبب استشراء الفساد في أوصالها. ورأى العالم جميعا، وقبله المصريون، نموذج أحمد عز الذي تسبب اقترابه من السلطة في جعله واحدا من المليارديرات الكبار. ويسبق الأموال التي نهبت من الدولة نفوذ له ولكل من يحيط به. لتتدحرج بعد ذلك أزمات وظلم وإفقار وفساد لم توقفها إلا ثورة 25 يناير، والتي تعد بحق ثورة لإنهاء الفساد والاستبداد في بلد عانى كثيرا منهما، وبلغ حافة الانهيار غير مرة.
لكن القوى المعارضة والمقاطعة للتصويت على الدستور المصري ترى أن النص الحالي لا يجيب عن أسئلة ثورة يناير التي هتفت للعدالة الاجتماعية قبل أي شيء آخر. وتعيب هذه القوى على واضعي مشروع الدستور أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جاءت عامة وفضفاضة، فلم تدخل في تفاصيل ما يمكن أن يؤسس لنهج حكم يضمن حقوق الفقراء والمهمشين. بيد أن هذا الجدل سيستمر حتى إذا كانت نتيجة الاستفتاء على الدستور هي "نعم"؛ فتلك الحقوق ستبقى حاضرة في أي مسعى لتحسين شروط حياة المصريين، ولن تحسم نصوص الدستور، أو أي نصوص تشريعية أخرى، مطالب سيبقى يرددها الفقراء ومعهم السياسيون حتى تنجلي غمامة السواد التي تلف الحياة الاقتصادية بسبب فساد مستشر في مفاصل الدولة.
وبعيدا عن حشود القوى الإسلامية في ميادين القاهرة وخارجها لتأييد مشروع الدستور، وكذلك من يقف بباب القصر الجمهوري أو في ميدان التحرير رافضا له، فإن النضال من أجل تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي عملية مستمرة، ولا تقف عند إقرار دستور أو رفضه. لكن المرحلة الانتقالية التي طالت في مصر تنذر بخسائر اقتصادية كبرى، سيدفع ثمنها المواطن المصري البسيط إن استمرت على حال الاستقطاب الحالية. والمأمول من النخب في السلطة والمعارضة أن تعيد بناء الدولة من منظور التحدي الاقتصادي الذي يعد أولوية لرجل الشارع، ومصدر قلق دائم.
ولا يجوز أن يستمر ترف الاختلاف في دولة ربع سكانها يحصل على أقل من دولارين في اليوم، ويفوق عدد من يعانون فقرا مدقعا 10 ملايين مواطن، علاوة على تفشي الأمية والجرائم.
في الدساتير يزداد جمال الكلمات وأناقتها، لكن الأهمية تكمن في التطبيق. وفي ظني أن النزاهة -مع الأخذ بالاعتبار معايير الحكم الرشيد- كافية للتأسيس لحقوق اقتصادية واجتماعية في محيطنا العربي، تمحو صفحة سوداء من تاريخ استبدادي معاصر كان الفساد عنوانه الأبرز.