نخب عاجزة

لطالما أشبعتنا نخب سياسية تنظيرا، ومحاضرات، ونقدا، ولكنها بدت عاجزة تماما عن اللحاق بركب الحدث السياسي المتمثل في الانتخابات النيابية التي ستجرى في العشرين من أيلول (سبتمبر) المقبل، واختارت تلك النخب لنفسها إما مغادرة البلاد، كما فعل بعضهم، حتى لا يقال لها أين أنتِ، أو الانزواء في الطرف، وعدم الظهور في المشهد.اضافة اعلان
هذا الانحلال من قبل نخب سياسية غير مبرر إطلاقا، وينم عن عقلية أنانية، لا يفكر أصحابها بمصلحة جمعية وإنما بمصلحة فردية، يكون لتلك النخب دور فيها أو حضور، وهؤلاء كأنهم يقولون لنا إما نحن أو لا، وتلك النخب ومن على شاكلتها، هي نفسها خرجت من صالوناتها إشاعات مختلفة، ومن ذات الصالونات السياسية الخاصة بها لطالما تعرضت حكومات لا يد لهم فيها لنقد وتجريح، ومن صالوناتها لطالما خرجت مستندات واتهامات، لهذا أو ذاك.
اليوم تقف تلك النخب عاجزة، تبتعد عن دائرة الضوء، ترفض أن تكون في المشهد الانتخابي كله سواء كان حضورها لوجستيا أو فعليا من حيث الترشح، أو المشاركة في القوائم الانتخابية.
ببساطة تختار اغلب نخبنا السياسية الانزواء، تنكفئ على نفسها، والسبب بسيط إذ إن اغلبها لم يتعود العمل في الضوء، ودائما يريد العمل بشكل منفرد من دون أن يكون عمله ذاك لمصلحة الجميع، وهؤلاء المنزوون سكن في عقولهم وعشعش نظام الصوت الواحد الانتخابي ولم تعد لديهم المكنة أو القدرة على العمل بطريقة أخرى أو عبر نظام انتخابي غير الصوت الواحد.
لا يغيب عن البال أيضا أن بعضهم يرفض فكرة الانفتاح عبر قوائم نسبية مفتوحة، (يتوقع أن تتطور لاحقا لتصبح قوائم حزبية ويصبح الترشح لا يجوز إلا عبر حزب سياسي)، فتلك النخب التي تقف في العتمة وتراقب، تعرف أن انتخابات 20 أيلول (سبتمبر)، ليست مبنية على الأفراد، بل على التحالفات والكتل السياسية، وأن قانون الانتخاب الحالي الذي ستجرى بموجبه الانتخابات يعتمد على مبدأ القوائم بدلاً من مشاركة الراغبين في الترشح كل على حدة، وهذا يعني أن على المرشحين تشكيل قوائم وتحالفات بناءً على أسس مشتركة، كالموقف السياسي أو البرامج الاجتماعيّة والاقتصادية، بدلاً من الترشح بالاعتماد على العلاقات الشخصية والقدرات الماديّة فحسب، وهذا يعني سحب البساط من يد تلك النخب التي كانت تعتقد أن كل حلقات التطور الديمقراطي والإصلاحي يجب أن تمر من عندها فقط، ولا يجوز لشخصية سياسية غيرهم طرح رؤى وأفكار مختلفة عن رؤيتهم، ويتم اعتماد تلك الأفكار، ويقعد أولئك في زاوية البيت ينظرون وربما يتمنون الفشل!
حتى الآن لم تقدم نخب سياسية كثيرة، حضرت بقوة في المنتديات العامة والمحاضرات، والصالونات السياسية، وكان لسانها سليطا وماضيا في الهجوم على الحكومات المختلفة التي لا يكون لهم يد فيها، لم تقدم تلك النخب (ليس كلها) حتى اليوم وقبل أقل من 10 أيام من فتح باب الترشح لانتخابات 20 أيلول (سبتمبر) شيئا يذكر، ولم نلمس منها نحن جمهور المتابعين والمراقبين ما يؤكد حرصها على السير في طريق الإصلاح المنشود، أو يعزز رغبتها في الوصول لشكل جديد من الانتخابات، ينقلنا كدولة ومجتمع عشرات السنين للأمام، ويخرجنا من عباءة الصوت الواحد، ويضعنا على بداية طريق تشكيل قوائم حزبية، ومن ثم تشكيل حكومات حزبية لاحقا تخرج من تحت عباءة البرلمان.
ببساطة، لم تقم النخب السياسية بدورها، (المقصود بالنخب تلك طبقات رؤساء حكومات سابقين ووزراء سابقين ونواب وأعيان سابقين، وكبار مشتغلين بالعمل العام سابقين)، واكتفى هؤلاء بالانزواء، ولم يشاركوا وبدا من أراد منهم خوض التجربة والمشاركة في الانتخابات عاجزا عن تشكيل قائمة حزبية، مكونة من 3-10 أفراد كحد أعلى في بعض المناطق، والأنكى أن أولئك الذين عجزوا عن إيجاد 3 أشخاص متوافقين معهم، يطالبون بحكومات برلمانية، فكيف يستوي عجزهم هذا مع طموحهم ذاك، أم أن موضوعهم كله تصريحات صحفية وكفى؟!