“ندوة لايف” تروي عذابات الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي

عمان- “ولا شيء ببرد ناري.. إلا إني أشوف بنتي، أنا الليل ما بنامه؛ وأنا أتخيل بنتي وحيدة في زنزانة عفنة ومضربة عن الطعام وصحتها في تدهور. أشكر رب العالمين أني لساتني بوعيي”.اضافة اعلان
هذا ما جاء على لسان والدة الأسيرة الأردنية الشابة هبة اللبدي؛ الموقوفة إداريا في معتقلات الاحتلال ومضى على إضرابها عن الطعام 16 يوما، وكررت الأم أكثر من مرة عبارة “حتى الآن لا أعرف لماذا اعتقلت ابنتي”، جاء ذلك خلال حديثها في برنامج “ندوة لايف” التي بثت مساء أول من أمس من منزل عائلة اللبدي، على صفحة “الغد” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
وتناولت الحلقة لهذا الأسبوع قضية الشابين الأردنيين المعتقلين اداريا اللبدي وعبد الرحمن مرعي المضرب عن الطعام، كما تزامنت الحلقة بعد وقفة تضامنية نفذها ناشطون ومدافعون عن الأسرى الأردنيين في معتقلات الاحتلال، وبوجود حملة “رجعوا ولادنا”.
وروت والدة اللبدي قصة اعتقال ابنتها، بحيث كانت برفقتها عندما وصلوا جسر الكرامة، وهناك أوقفت هبة، وطالت ساعات استجوابها، إذ انتظرتها منذ الساعة الـ9.00 صباحا وحتى وقت متأخر من الليل، على أمل إنهاء الاستجواب لتكتشف بعدها أن ابنتها حولت للمعتقل.
وأشارت إلى أنها وابنتها باستمرار يزوران فلسطين، وآخر مرة كانت في شهر رمضان الماضي، بحيث زارتا المسجد الأقصى مرتين، مبدية استغرابها وغضبها من اعتقال ابنتها، وتؤكد أن ليس هناك أي مخالفة قامت بها، وهو ما أكده القرار بتوقيفها اداريا، دون وجود لائحة اتهام حتى يكون التوقيف الإداري ذريعة لحجز حريتها.
وبينت أن آخر تواصل مع ابنتها، كان يوم حكمها بالتوقيف الاداري، وكانت آخر صورة شاهدتها لها قبل المحكمة، بينت أنها خسرت كثيرا من الوزن، وبعد القرار الأخير وعزلها انفراديا أعلنت إضرابا عن الطعام، ما يزيد من قلقها كأمّ على حالة ابنتها الصحية، سيما أنها وصلت اليها أخبار أن هبة تعاني الآن من تسارع في نبضات القلب.
وتساءلت “ماذا تنتظر الحكومة أكثر هناك أرواح بشر مهددة، وابنتي في ظروف قاسية جدا”.
ووصفت لحظة اعتقال ابنتها أمامها أنها كانت أصعب من الموت.
بدوره؛ اعتبر وديع مرعي عمّ الأسير عبد الرحمن؛ أن قضية ابن أخيه وهبة قضية انسانية بحتة قبل أن تكون قانونية، وقال “أخاطب كل إنسان حر في الأردن أن يعتبروا عبد الرحمن وهبة أبناءهم أو بناتهم حتى يتخيلوا شعور الأهالي الشعور لا يوصف وسيئ جدا القلق مستمر 24 ساعة”.
وأوضح أن الأسير عبد الرحمن؛ معه هوية فلسطينية ويزور فلسطين باستمرار في المناسبات، ويوم اعتقاله كان ذاهبا لحضور زفاف ابن خالته برفقة والدته وعند جسر الكرامة احتجز والتحقيق معه لمدة 4 ساعات من ثم تحويله للسجن.
ونوه الى حدوث أبشع أنواع الانتهاكات بحق عبد الرحمن، اذ قال له في آخر اتصال معه قبل 3 أيام ” كنت بمكان يفتقر لأبسط مقومات الحياة البهيمية وليست الانسانية”، واصفا مهجعه السابق الذي ومن شدة افتقاره لبيئة صحية إنسانية؛ تساقط شعره وأصبح يعاني من مرض جلدي، لتصبح معاناته مضاعفة، خصوصا وأنه يعاني من مرض السرطان.
وبعد نقله إلى مهجع آخر، زادت معاناته أيضا جراء كثرة الدخان في المهجع؛ ما يشكل خطرا عليه سيما أن نوع السرطان الذي يعاني منه الجيوب الأنفية.
وكشف مرعي أنه لا توجد تهمة بحق ابن أخيه؛ لذلك استند للتوقيف الاداري حتى يكون سببا لاعتقاله، مشيرا إلى أن هناك صعوبة للتواصل معه حتى من محاميه، فضلا عن منع إدخال الملابس له.
وقال “نحن خائفون أن تطول مدة قضيتهم وتنسى، وتبقى حية فقط عند أهاليهم، ولا شك بأننا نجد عزاءنا في هذه الوقفات التضامنية؛ لكننا تعودنا اذا طول الموضوع ينتسى وإذا انتسى لا أقول سوى: إلهم الله”.
من جهته؛ بين والد الأسيرة اللبدي أنه وخلال الـ20 يوما من اعتقال ابنته؛ كانت أشبه وكأنها في عالم غيبي، بحيث منع التواصل معها حتى من محاميها، واطمأن عليها بعد أن زارها القنصل الأردني في السفارة الأردنية مرتين، والذي بدوره طمأنهم عليها.
وقال “لا شك أن الفزعة الشعبية تشعرنا بأن الفرج قريب باذن الله، وحركة التضامن يجب أن تستمر لأجل هبة وباقي الأسرى الأردنيين، فمصابنا كأهال واحد، نسأل الله ان تكون هذه الفزعة بداية لتحرك جدي أكثر من الحكومة، وهم مشكورون على تحركهم، لكن لم نلمس أي موقف جدي حتى الآن”.
الأسيرة المحررة جرادات تروي عذاباتها:
من الصعب؛ أو حتى من المستحيل أن تنسى الأسيرة الأردنية المحررة نسيبة جرادات، قطعة الخبز التي كانت تستدل عبرها على عدد الأيام، وعدد حركة عقارب الساعة لمعرفة الوقت، تلك القطعة التي كانت تقتسمها من وجبة الطعام الميتة التي كانت تقدم إليها من أسفل باب مهجعها في معتقلات الاحتلال الاسرائيلي.
وفي تفاصيل تجربتها التي روتها في الحلقة، أنه عندما كانت أسيرة لـ7 أشهر، فضلت جرادات تسليط الضوء على تجربتها خلال الـ35 يوماً من التحقيق، حينما كانت تخضع له يوميا ولمدة 15 ساعة، في غرفة مظلمة وعيناها معصوبتان، وعقلها يفكر بشيئين فقط: “متى سينتهي التحقيق؟ وكم مضى من الوقت؟”، دون أن تستطيع الحصول على إجابات وافية مستندة إلى موهبتها التي اكتشفتها هناك، وهي موهبة التقدير.
“كنت اعتمد على التقدير، فبعد أن كنت أنزل الى غرفتي بعد التحقيق؛ كنت كإنسانة من حقي أن أعرف كم ساعة سأنام بعد استنزافي من التعب في التحقيق، ومن حقي أيضا أن أعرف ما إذا هي ليل أم نهار، وهل انتهى اليوم أم بدأ، بحيث كنت استدل بقطعة خبز أضعها أسفل باب الغرفة، وعندما استيقظ أتحقق ما إذا يبست أم لا، ما يعني أنني نمت طويلا أم لا”.
وتحدثت جرادات عن قسوة التعذيب النفسي الذي يمارسه السجان في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكيف أنه أكثر قسوة من التعذيب الجسدي الذي كانت تتعرض له أيضا من السجانات.
ومن بين أشكال التعذيب النفسي التي تعرضت لها؛ الاهانات اللفظية، واللعب بحالتها النفسية عبر الضغط عليها أثناء التحقيق، ما يجعل درجة حرارتها مرتفعة وفجأة يصبح الجو باردا جدا.
ونوهت أن أكثر نوع تعذيب نفسي تعرضت له؛ الحرمان وهو أكثر أنواع التعذيب تداولا في معتقلات الاحتلال، وتقول: “كنا محرومين من كل شيء، حتى ممنوعين من وجود أي شيء معنا في الغرفة”.
ومن تجاربها القاسية في الحرمان؛ أنه عندما تزامن وجودها في الزنزانة وحيدة أثناء الـ35 يوما من التحقيق مع مرور شهر رمضان المبارك، كان السجانون يتعمدون إرسال وجبات طعام بما لا يتناسب مع موعد الإفطار.
وتشرح أكثر بقولها: “كانوا يبعتون الأكل على فترات، وبعد عشر دقائق يسحبونه قبل موعد الإفطار بعشر دقائق.. يسحبون وجبتي”.
وتضيف: “بالتالي كنت أبقى على الماء، حتى أني كنت أشربه بدون كاسة عن طريق كبسة على الحائط أشرب!”.
من جهته؛ قال النائب طارق خوري خلال الندوة “لا أتعامل مع هذا الكيان كأنه دولة تطبق الشرعية الدولية.. معركتنا؛ معركة وجود، الأسرى هم الأحرار، وكل عربي صامت هو الأسير”.
وأضاف في سياق حديثه عن اللبدي، أن قضيتها – ربما؛ تختلف عن باقي الـ22 أسيرا أردنيا كونها فتاة ومؤثرة في جيلها من الشباب ما أثار ضجة إعلامية.
وقال “إذا تأملنا من الحكومة معالجة؛ نكون نضحك على أنفسنا. رأيناهم كيف تعاملوا مع قتلة أبنائنا في سفارة الكيان في عمان، ورأينا التنازل عن دم الشهداء”.
وردا على سؤال “الغد” عن ضعف الدور النيابي في قضية الأسرى الأردنيين، قال خوري “هناك عدد لا بأس به من النواب؛ مواقفهم قوية، وبالتأكيد سيكون هناك موقف من مجلس النواب دستوريا لا نستطيع أن يتخذ النواب قرارا قبل 10 تشرين الثاني (نوفمبر) لا توجد لدينا صلاحيات، لكن أعد عبر “الغد” سأتابع أنا وزملائي أي نشاط يدافع عن أسرانا”.
وقال “هذا عدو يجب إزالته. نحن لا نتحدث عن معتقل في دولة أخرى، فالتعامل معها يجب أن يكون الند بالند”.
وأضاف “التضحية مطلوبة، وأتمنى أن تكون ابنتي مكان هبة وسأكون سعيدا، وأنا واثق بأن أهل هبة فخورون بها، وأطمئنهم بأنها أقوى من السجان”.
بدوره؛ قال الناطق الاعلامي باسم اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين الأردنيين فادي فرح “في ظل الظرف الصعب الصبر مطلوب من قبل الأهالي، صمود أسطوري الذي تقوم به هبة خصوصا بعد التحقيق القاسي، ونحن جربنا عزلة تامة عن العالم.. محاولات لكسر الارادة، لأنهم لم يجدوا ما يدينها، تم تحويلها للتوقيف الاداري، وهذا اعتقال تعسفي، وهو اعتقال مرفوض في القانون الدولي”.
وعن الدور الرسمي؛ قال “على مدار سنوات نتعامل مع الخارجية ونحثهم بأن يكون هناك متابعة جدية.. لمسنا اختلافا مؤخرا، لكنه لا يرقى للمطلوب”.
وكانت وزارة الخارجية استدعت قبل أيام؛ القائم بأعمال السفير الاسرائيلي في عمان، وسلمته مذكرة احتجاج على استمرار احتجاز اللبدي ومرعي والظروف غير اللائقة لاحتجازهما.
وأوضح الناطق الرسمي باسم الوزارة السفير سفيان سلمان القضاة؛ أن الوزارة كررت طلبها بسرعة الإفراج عن هبة عبدالباقي، وكذلك عبدالرحمن مرعي، والى حين تحقيق ذلك طالبت بوجوب توفير ظروف احتجاز ملائمة لهما، ومراعاة الاجراءات القانونية السليمة وبما يتسق مع القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان الدولية، وحملت السلطات الإسرائيلية مسؤولية سلامتهما.