نرتدي قناع الوجه أم لا نرتديه؟ لا ينبغي أن يكون هذا هو السؤال

جون هاريس* - (الغارديان) 26/7/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بتحويل المسؤولية عن مخاطر "كوفيد" إلى الأفراد في مجتمع يعاني مسبقاً، مهدت الدولة البريطانية المشهد لعدد لا يحصى من الصراعات العبثية.

  • * *
    دخلت إنجلترا الآن أغرب مرحلة حتى الآن من تجربة "كوفيد". فعلى الرغم من أن وزير الصحة أصر، في تغريدة حذفها لاحقاً، على أنه يجب علينا "ألا نكون خائفين" من الفيروس، فإن التناقض بين رفع القيود ومعظم الحكمة الوبائية السائدة يكمن في خضم حياتنا الوطنية مثل صداع مقيم. والآن، تبنى رئيس الوزراء نفسه، الذي وعد رفقاء روحه الأيديولوجيين بفجر جديد من الحرية، فكرة جوازات سفر اللقاح، ويقال إنه يواجه احتمال الهزيمة في مجلس العموم. وفي الوقت نفسه، أدت الإشارات إلى "المسؤولية الشخصية" عن المخاطر إلى إثارة مصدر قلق جديد في الحياة اليومية، حيث تعود الحكومة إلى النمط وتفعل ما تفعله عادة إدارات المحافظين: تحويل المخاطر من الدولة إلى الأفراد.
    الآن، أصبح ارتداء قناع الوجه يشبه إلى حد ما وضع شارة. وفي ما تسميه الصحافة اليمينية بطريقة مضحكة "يوم الحرية"، قمت ببعض التسوق في متجر "أسدا" المحلي في منطقتي، ولاحظت نسبة الذين يرتدون أقنعة الوجه إلى الذين لا يرتدونها بحوالي 70 إلى 30، وشعرت -أو اعتقدت بأنني شعرت- باختلاف الحكم على الأشياء وانعدام الثقة بينما أمر بين الذين تمسكوا بقناع الوجه الذين قرروا الخروج من دونه. وبعد يومين، كنت في مدينة "ستوك أون ترينت" حيث كانت النسبة في متجر "تيسكو" الضخم أقرب إلى 60 إلى 40 لصالح ارتداء القناع. وعلى الرغم من التصريحات حول نصيحة الهيئات الصحية الناس بالتصرف كما لو أن القيود ما تزال سارية، بدت حقيقة أن البعض تمسكوا بالقواعد القديمة بينما تخلى عنها البعض الآخر أشبه بعودة إلى طبيعية مملة.
    فقط عندما تحدثت إلى الناس، كشف شيء قلِق وغير مريح عن نفسه: اعتقاد واضح بأن الأمور أصبحت الآن مضطربة ومختلطة للغاية لدرجة أن مسألة ما إذا كان الأفراد سيتخذون الاحتياطات أم لا لم تعد في الحقيقة بهذه الأهمية. وقد التقيت بامرأة تعمل في دار رعاية، قالت إنها ستستمر في ارتداء قناع الوجه في الأماكن المغلقة. لكنها لا تؤمن بأن سلوكها، إلى جانب التطعيمات، سيلعب دورًا في إعادتنا إلى حالة براءتنا لما قبل "كوفيد"، وقالت وهي تهز كتفها: "لا أعتقد أننا سنعود أبدًا إلى الطبيعية".
    في غضون ذلك، تستمر نُسخ الواقع التي قدمتها وسائل الإعلام القديمة والجديدة في الانفجار بغضب مستقطَب. على اليمين، انصهرت كراهية للدولة مع عداء للقاحات، ويتم ربط كل شيء بالاعتقاد بأن أولئك الذين يريدون تحمّل القيود ليسوا مجرد مفسدين للبهجة، بل إنهم أعداء للحرية أيضاً. وعلى النقيض من ذلك، بدا أن بعض اليساريين يريدون استمرار القيود لأطول فترة ممكنة: ربما ليس فقط لإبقاء الفيروس تحت السيطرة، ولكن أيضًا لأن الحياة في مثل هذه الظروف أكدت الكثير من أفكارهم السياسية والفلسفية: ثمة توسع هائل للدولة؛ أسبقية "العِلم"؛ فوائد واضحة للبيئة، وإصرار على ضرورة التضحية الجماعية. ومع هذا كله، جاء الحكم المزدري: "أحمق كوفيد"، والافتراض القائل بأن عدم ارتداء قناع الوجه أو كونكَ متشككاً في تلقي المطعوم يضعك في نفس فئة المتصلين الغاضبين ببرامج التحدث في محطات الإذاعة ولورانس فوكس اللعين (المؤيد لرفع القيود وعدم أخذ اللقاح)
    وفي مكان ما بين هذين المعسكرين الأيديولوجيين، يوجد الملايين الذين يسهُل نسيانهم: أولئك الذين لم تكن عمليات الإغلاق والقيود الصارمة بالنسبة لهم موضوعًا لحرب إيديولوجية مرحة، وإنما كانت مرادفًا للبؤس والكفاح. ويضطر العديد من هؤلاء الأشخاص إلى مغادرة المنزل كل يوم للعمل في ظروف خطرة. ويعيش البعض في ظروف تتسم بالازدحام الكبير، وهم جزء من أسر مختلة وظيفياً ومسيئة. وقد تمزقت سبل عيش أصحاب الأعمال الصغيرة أو أنهم يعيشون مع الخوف من أنهم على وشك الانهيار؛ وبالنسبة لملايين الشباب، تم تعليق بعض ضروريات الحياة الأساسية لفترات زمنية طويلة إلى حد لا يطاق، مع عدم وجود أي علامات على القلق لدى أولئك الذين في القمة. وفي هذا السياق، حتى لو كان بعض الأشخاص غير مسؤولين، ببساطة، فإنني أفهم السبب في أن آخرين سعدوا بنزع كماماتهم، واستقبلوا نهاية معظم القيود في إنجلترا بتنهيدة ارتياح.
    قبل شهرين، كنت في منطقة "ألوم روك" في برمنغهام، حيث قابلت شاباً بريطانيًا آسيويًا يبلغ من العمر عشرين عامًا، والذي تحدث عن حياته والتجارب المشتركة لمجتمعه قبل وأثناء الوباء. وشدد على إهمال الدولة للاحتياجات المحلية، وتجاربه المروعة على أيدي الشرطة -وذهب من هناك إلى كراهية تلقي المطعوم، على الرغم من أن عدد الموتي المحليين جراء "كوفيد" كان مريعاً.
    كان هذا الرجل، على ما يبدو، مثالًا جيداً عن جزء آخر من السكان تم تجاهله: أولئك الذين كانوا متشككين بشأن كل من القيود والتطعيم، ليس بسبب الحماس الأيديولوجي، ولكن لأن لديهم وجهة نظر متشائمة ومخيفة بشكل مفهوم تجاه الدولة ومراسيمها، والذين جعلوا أنفسهم معروفين لدى السلطات. ربما يكون التفكير في الحكومة على أنها حميدة وحسنة النية حكراً على قسم معين من الطبقة الوسطى. وإذا كانت لديك أي خبرة في الجوانب الأكثر شراً من الشرطة أو نظام المزايا أو نظام الهجرة في هذا البلد، فإنك قد ترفض أيضًا فكرة تنزيل تطبيق "كوفيد" الرسمي على هاتفك، أو الذهاب بإخلاص لتلقي لقاحك، او تسجيل اختبارات "كوفيد" الخاصة بك.
    إلى حد كبير، كانت تجربة هذا البلد الأليمة مع "كوفيد - 19" نتيجة لعدم الكفاءة الفظيع للحكومة. لكن الأشهر الستة عشر الماضية أظهرت أيضًا أن المجتمعات التي تعاني من عدم المساواة والتحيز المؤسسي لا يمكنها التعامل مع أي أزمة متشنجة. والفكرة الأساسية تكاد تكون بديهية، ولكن يبدو أنها تستعصي على الكثير من الناس: إذا كان الكثيرون من الناس غير آمنين ومعزولين، وحرصت الحكومات المتعاقبة على إهمالهم ومعاملتهم بعدم احترام، فإنهم إما لن يكونوا قادرين على فعل ما يُطلب منهم فعله، أو أنهم سيتعاملون مع المراسيم القادمة من الأعلى ومع الرفض الذي يلاقونه من أولئك الذين يعيشون حياة أكثر امتيازًا بأقصى قدر من التجاهل والازدراء. وبالنظر إلى أن أسوأ آثار "كوفيد" وقعت على مجتمعاتنا الأكثر تهميشًا، فقد يبدو مثل هذا السلوك غير عقلاني، لكن هذا التوتر يبدو مفاجئًا بالكاد.
    ثمة مدرسة فكرية مقنعة للغاية تدعي أنه سيتبين أن "كوفيد" كان بمثابة "بروفة" فقط على التفاقم الوشيك لحالة الطوارئ المناخية. وتتطلب كلتا الأزمتين، بعد كل شيء، اتباع التعليمات القادمة من القمة، والتحرك بخطى ثابتة متسقة، والانخراط في أعمال صعبة من التضحية الشخصية. وكما هو واقع الحال، يستطيع بعض الناس القيام بهذه الأشياء، لكن البعض الآخر لا يفعلون. ويكمن الخطر في أنه، بينما تأتي أزمة في أعقاب أخرى، وسط الضوضاء الفردانية التي تولدها وسائل التواصل الاجتماعي والسياسيون السعداء بالتحدث بلغة اللوم، فإن ضجيج الحكم الشخصي المتأرجح سيكون أعلى بكثير من أي أصوات تشير إلى أن نموذجنا الاجتماعي قد انكسر الآن إلى حد يتعذر إصلاحه. عادة ما تنتج المجتمعات المختلة نتائج مختلة بشكل كبير: وإلى أن نبدأ في معالجة هذه الحقيقة الأساسية الحديثة، فإن السخرية وتوجيه أصابع الاتهام لن يؤديا سوى إلى جعل الأمور أسوأ بما لا يقاس.
اضافة اعلان

*John Harris: كاتب عمود في صحيفة الغارديان.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: To mask or not to mask? That shouldn’t be the question