نريد مدنا أخرى تنافس عمان


شخصيا، لا أراني مؤيدا لذهاب الحكومة باتجاه معالجة البنى التحتية من شوارع في المملكة فقط، بل أنا أكثر قناعة بضرورة الذهاب لبناء مستشفيات ومدارس ومراكز صحية ومصانع ودعم الزراعة أكثر من تعبيد شوارع وفتح أخرى وصيانتها بملايين الدنانير، كما لا أراني مستعجلا لأرى الباص السريع أو القطار الخفيف؛ إذ أعتقد أن العمل بشكل لا مركزي وتعزيز التنمية الحقيقية في المحافظات وخلق استثمارات وفتح مصانع، كلها أمور من شأنها تخفيف الضغط على العاصمة والحد من أعداد القادمين اليها.اضافة اعلان
الحقيقة التي يجب التوقف عندها، أن الدول تُبنى من خلال وجود أكثر من مدينة كبيرة فيها؛ حيث تعد تلك المدن بمثابة حواضن للناس، ولذا لا يجوز الاعتماد فقط على العاصمة كحاضنة وحيدة، من دون الانتباه لأهمية تعزيز وجود مدن أخرى تحظى بما تحظى به العاصمة.
الحق ليس على عمان ولا على أهلها، المشكلة في طريقة التفكير العقيمة التي سيطرت خلال الفترات الماضية على عقلية المسؤولين، والتي كانت تؤمن بالمركزية بشكل لافت، وحصرت كل الخدمات في عمان؛ حيث تركزت كل فرص العمل فيها، ولم تترك للمدن الأخرى فرصة للتوسع والانتعاش.
الحقيقة، أنه باستثناء عمان، وجزئيا العقبة، فإن المركزية ما تزال تتحكم فينا، وما تزال العاصمة مهوى الجميع والفرصة التي يبحث عنها ابن الشمال والجنوب، حتى باتت عمان تفيض بمن فيها، وباتت شوارعها مزدحمة بشكل كبير، ولم يعد ينفع معها لا باص سريع ولا حتى باص يطير.
الأصل أن نعالج عصب المشكلة التي نعاني منها، وليس معالجة قشورها، عصب المشكلة يتمثل في المركزية القاتلة والعقلية المحافظة والراديكالية التي أدارت فكر التنمية خلال الفترة الماضية، والتي حصرت كل الاهتمام بالعاصمة وتركت المدن الأخرى، وهي بهذا استفزت كل أبناء تلك المحافظات للذهاب لعمان والبحث عن عمل والسكن فيها، وترك محافظاتهم وألويتهم!!.
هذا التفكير فرغ مدناً من أهلها، ولم يسهم بتعزيز التنمية، وأفقدنا الزراعة والتجارة والصناعة، فبتنا لا نزرع ولا نصنع، وأفقد هذا التفكير الراديكالي المحافظ تحول محافظاتنا الى مدن كبيرة وأبقاها شبيهة بالقرى الواسعة، ولم يحولها لمدن تعج بالاستثمارات والفلل والمباني والمكاتب التجارية وماركات المطاعم والمولات وغيرها.
وقبل أن يقفز لي أحد ليقول إن إربد والزرقاء باتتا مدينتين كبريين، فإن علينا أن نقر بصحة ذلك جزئيا، ومن ثم نقر بأن ذلك غير كافٍ، فما تزال إربد والزرقاء تبحثان عن ذاتهما، وما يزال أهلهما يعانون من مركزية القرار الذي يتوجب تحويله الى لا مركزي، بحيث لا يحتاج ابن إربد أو ابن الزرقاء إلى الذهاب لعمان تحت أي ظرف، إلا لزيارة قريب، وأن نصل لمرحلة توسيع نطاق التنمية بحيث ندفع ابن إربد والزرقاء القاطن في عمان للتفكير جديا بالرحيل منها باتجاه محافظته،  وإقناعه أن محافظته باتت لا تقل عن عمان من حيث مراكز التسوق والترفيه والسينمات وفنادق النجوم الخمس والاستثمارات والمصانع وغيرها.
الحال في إربد والزرقاء متقدم كثيرا عن الحال في محافظات أخرى، فعجلون وجرش والطفيلة ومعان وغيرها، تعاني من أوضاع أصعب وأعقد بكثير؛ إذ إن عجلون، مثلا، التي تعاني فقرا مدقعا، تدفع ثمن غياب أي استثمارات حقيقية، وأي فرص عمل حقيقية ومنتجة، رغم أن المحافظة تفتخر بطبيعة سياحية جاذبة، وهذا كله بسبب غياب التنمية المستدامة التي من شأنها الانتقال بنا جميعا من جانب الى آخر، فهذا الحال سيجعل ابن عجلون، كما حال ابن الطفيلة وجرش ومعان وغيرها، يأمل بالعثور على فرصة عمل حقيقية في القطاع العام أو الخاص في عمان.
الحكومة معنية بتدبر هذا الموضوع، والتفكير بشكل جدي بتوزيع التنمية على المحافظات المختلفة، وهدفها بناء مصانع وتشجيع الزراعة وخلق استثمارات وفرص عمل، فبدون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة وسيأتي علينا يوم تصبح فيه عمان المدينة الحقيقية وباقي محافظاتنا عبارة عن قرى كبيرة فقط.