نزاهة الانتخابات موضع السؤال

أصبحت مسألة الإعلان عن إجراءات العملية الانتخابية لمجلس النواب القادم مسألة أيام. وأصبح من المؤكد أن البلاد ذاهبة إلى الانتخابات وفق قانون الصوت الواحد، ولا رجعة ولا تأجيل، وأن الرهان الوحيد الذي يمكن التمسك به اليوم، بعد أن أفلست كل فرص المناورة، هو نزاهة الانتخابات.اضافة اعلان
لسان حال العامة اليوم يتساءل عن هذا الرهان؛ على ماذا نراهن حتى نتمسك بحلم التغيير، وما الجديد؟ فيما لم تتوقف مؤسسات الدولة، منذ أشهر، عن  تكرار أطروحة نزاهة الانتخابات القادمة. وفي العمق ذاكرة العامة لم تمت بعد، إذ يتذكر الجميع حجم الدعاية الرسمية التي قامت على نفس الأطروحة في كل من انتخابات 2010 وانتخابات 2007، التي دمغت بالتزييف الرسمي الذي اعترف به علنا رؤساء وزراء ومديرو مؤسسات أمنية ونواب.
الرد الرسمي لا يجد أمامه إلا الهيئة المستقلة للانتخاب للارتكاز عليها. كان الله في عون هذه الهيئة، وكم ستتحمل في الأيام القادمة! حتى الحكومة الحالية تبرأت سلفا، وأعلنت أنها لم تعد تشريعيا مسؤولة عن إجراء الانتخابات، ولا عن ضمان نزاهتها، وهو ما ستفعله الحكومة القادمة أيضا. والسؤال الحرج في هذه الأثناء: هل الهيئة المستقلة للانتخاب بالفعل هي وحدها المسؤولة عن ضمان نزاهة الانتخابات وجودة العملية الانتخابية الإجرائية، وهل تملك الهيئة الوليدة القدرات الحقيقية للقيام بهذه المهمة وحدها؟
لا شك في صدق نوايا رئيس الهيئة الحالي الدكتور عبدالإله الخطيب؛ فثمة ثقة يتمتع بها وسط النخب على اختلاف مواقفها. وعلى المستوى الشخصي والأخلاقي، لن يسمح بأن تُخترق جبهته الداخلية. لكن كل هذه الخصائص وحدها هل تكفي، بدون وجود إرادة سياسية فعلية وصادقة تضمن الوقوف في وجه ثلاثة مصادر تهدد نزاهة الانتخابات القادمة، ولا نملك إلى هذا الوقت أي ضمانات حقيقية في مواجهتها؟
مصادر الخطر التي تهدد نزاهة الانتخابات القادمة تتمثل في: أولا، مدى القدرة على ضمان عدم تدخل مؤسسات الدولة الأخرى كما حدث في دورات انتخابية سابقة، وبطرق متعددة، وهو الأمر الذي لا يُنكر، وأصبح جزءا من تاريخ تلك المؤسسات. وثانيا: مدى القدرة على ضمان تحييد المال السياسي، والذي من المتوقع أن يتجاوز السقوف المعتادة هذه المرة في ضوء تحولات معروفة، وهو هذه المرة مال سياسي داخلي وخارجي أيضا. وثالثا، مدى القدرة على مواجهة شبح تدخل رموز من النخب الحكومية والرسمية السابقة التي تدور حولها شبهات الفساد، والتي باتت تتلمس الهروب النظيف من أي استحقاق مستقبلي قد يلاحقها.
سوف نسمع قريبا، كما سمعنا قبل أيام، عن قصص تتعلق بسلامة ونزاهة بعض العمليات الإجرائية في إدارة التحضير للانتخابات، كجزء من الدعاية التي تمارسها القوى المقاطعة للانتخابات، على نحو ما تردد عن موضوع بطاقات الأحوال المدنية. وعلى الرغم من سهولة دحض بعض هذه الأمور، إلا أنها قد تستهلك الفضاء العام، وتشغل الرأي  العام بتفاصيلها، بينما تغيب العيون عن مياه داكنة قد تتدفق من وقت إلى آخر، وتعكر مستقبل الحياة البرلمانية، والتي ليس بالضرورة أن تكون مصادرها رسمية.
المطلوب من الجهات التي تراقب العملية الانتخابية، وعلى رأسها تحالف مؤسسات المجتمع المدني لمراقبة الانتخابات، أن تكون حريصة على الرأي العام بأن يبقى في جبهتها، وأن تبتعد عن الاتهامات السريعة غير المبنية على أسس قانونية راشدة، وأن لا تتدخل في اللعبة السياسية. فكل ما نخشاه أن ينشغل الرأي العام كل يوم بقصة صغيرة يثبت بطلانها في اليوم التالي، وحينما تقع الواقعة –لا قدر الله- لن نجد من يلتفت إليها.