نساء صغيرات!

تمشي بثقة كبيرة، كأن لا شيء يخيفها. تحتد تارة، وتبتسم أخرى، فيما تطالب بحقها في إنهاء معاملتها، إذ لديها مهام أخرى كبيرة.
التقيتها في أحد البنوك أثناء تخليص بعض الأوراق العالقة. وفي خضم بضع دقائق من الانتظار، أخذنا الحديث، لتحكي لي قصتها كأنها تعرفني من سنين طوال.اضافة اعلان
قالت: لا أملك ترف الوقت، رغم أني بدأت حياتي مبكرا أكثر مما تتوقعين. فيها عانيت وتعبت، وأصابني اليأس بعد أن نال مني القهر والغضب مرارا. لكني الآن أملك من القوة ما يمكنني من أن أغير ماضيا أنهكني، وأثقل علي بمشاعر الكره لكل من حولي.
استغربت كثيرا حديثها وقد بدت صاحبة خبرة مديدة، تزيد بأضعاف سني عمرها وهي التي لم  تتجاوز الخامسة والثلاثين!
قالت: تزوجت عندما كان عمري 12 عاما فقط، برجل يكبرني بعقد ونصف العقد! ولم أكن أفهم ما يدور حولي حينما سكنت في منزل عائلته، حيث صرت هناك خادمة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا أملك من القول إلا "حاضر".. "نعم".. "كما تريد".. "آسفة"!
بمرارة تكمل: أنجبت طفلي الأول وعمري 14 عاما. ولم أكن أعرف كيف أتعامل معه. وحينما كنت أقول لوالدي ما يحدث معي من زوجي وعائلته، ومعاملتهما القاسية لي، كانا يوبخاني بزعم أن "البنت المرباي والمحترمة ما بتتشكون طول الوقت. والمفروض تسكت وتعرف كيف تخلي زوجها وأهله يحبوها"!  وكنت أعتقد أن هذه هي الحياة الحقيقية. أنجبت أربعة أولاد، عمر أكبرهم الآن 20 عاما!
تصمت قليلا ثم تضيف: بعد مرور عدد من السنين على زواجي، "قاتلت لأكمل تعليمي بالدراسة من المنزل". وقد وقفت معي إحدى قريباتي، وساندتني حتى أحقق حلمي رغم المعارضة الشديدة من زوجي.
وفي منتصف العشرين من عمري، شعرت أن من واجبي كما حقي كإنسانة أن أتمرد على واقعي البائس. وجاءتني الجرأة الكبيرة لأن أرفع قضية "خلع" لزوجي، فنلت ما ابتغيه رغم تهديداته المتواصلة بأنه سينتقم مني أشد انتقام. لكني أيقنت أنني لن أخسر شيئا أكثر مما خسرته منذ طفولتي. لذا قاومت حتى النهاية، لاسيما وقد تخلت عني عائلتي. فحصلت على عمل، واستأجرت بيتا، وأخذت أبنائي للعيش معي.
بثقة وصلابة تواصل: لن أتنازل عن حريتي التي سلبها زوجي السابق مذ كنت طفلة لا تعلم سوى اللعب بالدمى الصغيرة. وقد عوضتني الدنيا برجل تزوجته حديثا محب يدعمني. كما أنه أب صالح لأبنائي.
تلك كانت قصة سيدة أبكتني من تجربتها المريرة التي عاشتها عندما تحولت إلى ضحية من ضحايا زواج القاصرات، وبعد ذلك ضحية لزوج لم ير هو وأهله في طفلة لم تتجاوز 12 عاما، سوى امرأة ناضجة جاهزة لأن تكون مسؤولة عن بيت وأسرة!
والأنكى أنها ليست إلا واحدة من آلاف يتواطأ المجتمع ضدهن، ويسلب طفولتهن البريئة، بأن يرمي بهن إلى غياهب المجهول.
طبعاً، قانون الأحوال الشخصية حدد السن الأدنى للزواج بعمر 18 عاما، لكن ما قيمة ذلك إن كان القانون ذاته يسمح للقاضي بإجازة استثناءات بتزويج من بلغن 15 عاما؟ والدليل عدد الفتيات اللواتي تزوجن العام الماضي في الأردن دون سن 18 عاما، قد بلغ 10834 فتاة، يشكلن نسبة 13.4 % من إجمالي حالات الزواج في ذلك العام.
هل تقع كل أولئك الفتيات تحت "بند" الاستثناءات؟! إن كان الأمر كذلك، فما أكثرها استثناءاتنا التي تغرق مئات إن لم تكن آلاف الطفلات في الظلم يوما بعد يوم!