نساء يحفظن حرفة المشغولات الصوفية بتشكيل ملابس بيتية

4444
4444
أحمد الشوابكة- في عقود انقضت، كانت ربات البيوت في مدينة مادبا، كسائر العديد من المدن، يحترفن صناعة الملابس الصوفية “الجرازي” والمشغولات المنزلية بالطريقة اليدوية المستخدمة والمنتشرة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، فيلبس أبناؤهن هذه الملابس في فصل الشتاء، بحسب ما تسرده الخمسينية أم عدي الرواحنة، التي ما تزال تنهمك في إعداد مشغولات وملابس يدوية لمنزلها من الصوف والمواد الأولية كلما وجدت وقتا تريد فيه العودة إلى هذه الحرفة التي تسير نحو الاندثار. تبدأ عملية إعداد الملابس والمشغولات المنزلية بجلب الصوف وتهيئته من خلال عملية غزله وتحويله إلى خيوط من خلال المغزل، ثم تستخدم السنارة في عملية بدء إعداد الملابس وذلك بحركة دقيقة وسريعة، إذ تعقد خيط الصوف حول الإبرة “السنارة”، وتشكل القطعة وتحبكها بجهود دقيقة وشاقة تقضي فيها السيدات وقتاً ممتعاً بالدوران والتشابك بين الخيوط، لتنتج في النهاية ملابس “جرازي” أنيقة من الصوف الأصلي الخالص بمختلف الأحجام والألوان، كما تقول الحاجة أم عدي. ورغم أن حرفة صناعة الملابس والمشغولات اليدوية من الصوف، غادرها شعاع الاهتمام نتيجة دخول الآلات الحديثة، وعدم امتهان الأجيال الجديدة لهذه الحرفة التي باتت اليوم تقتصر على عدد قليل من السيدات كبار السن، وعدم وجود اهتمام مجتمعي بإعادة إحياء هذه الحرفة وتعليمها والمحافظة عليها من الاندثار، رغم دعوات بالمحافظة على التراث اللامادي بكل أنواعه. وتتمسك الخمسينية أم عدي بهذه الحرفة وتفاصيلها، وتقول: “لدي حنين كبير إلى إمساك سنارة الصوف والغزل بها، وهو شعور يأتيني في كل الأوقات”، فهي قضت ما يزيد على ثلاثين عاماً من عمرها مواظبة على إتقان هذه الحرفة التي ازدهرت ولاقت رواجاً واسعاً في حقبة السبعينيات من القرن الماضي بين سيدات المجتمع المادباوي، ليس بقصد التجارة، وإنما لتوفير ملابس يتم حياكتها من الصوف لأبناء الأسرة والمعارف كما تقول لـ “الغد”. وتستطرد أم عدي في حديثها عن الهواية الأحب لقلبها قائلة: “هذه الحرفة ليست سهلة وتعتمد بالبداية على الذهن الصافي، إضافة إلى الصبر والدقة وسرعة البديهة، ولأنها حرفة معقدة والخطأ فيها مرفوض بتاتاً تراجع احترافها لدى الأجيال الجديدة التي لا تحبذ هكذا أعمال، مسترسلة عن الطريقة التي تتبعها لتشكيل الملابس مبتدئة بتحضير طبات أو لفات الصوف التي تشتريها من محلات بيع مستلزمات الخياطة والصوف، إضافة إلى إحضار إبرة أو ما يسمى “السنارة” أو “سياخ صوف”، لتبدأ تكوين عقدة صغيرة من الخيط ولفه على اثنين من أصابع اليد اليمنى ووضع الإبرة “السنارة” في اليد اليسرى، ومن إدخال الإبرة الموجودة باليد اليسرى داخل الخيط باليد الأخرى، ومن ثم العمل على شد الخيط تماماً لتكوين أول ما يسمى “غرزة”، بعد ذلك يتم تكرار الخطوات السابقة نفسها مرات عدة حتى تبدأ الغرز بالتشكل وإظهار شكل معين، مشيرة إلى أن الغرز التي يتم عملها يجب أن تكون أعدادها زوجية ليتم عملها بالشكل المطلوب وبحسب المقاس”. وجاء تعلمها هذه الحرفة بالصدفة عن طريق مجموعة من نساء الحي اللواتي يتقن مشغولات ملابس الصوف البدوية، وتدربت عليها رغم أنها لم تكن تعرف عنها شيئاً في البداية، وتصف تلك الفترة بأنها أجمل أيام حياتها، مستذكرة اليوم الأول لها في التدريب على هذه الحرفة، بالقول: “لم أكن أعرف كيف أمسك سنارة الصوف، فكان اليوم الأول صعباً جداً، لأن الحرفة تعتمد على الدقة في إمساك وإدخال الإبرة “السنارة” من أجل تشابك خيوط جرزة الصوف، واستمر ذلك إلى ما يزيد على شهر بأكمله، حتى أتقنت هذه الحرفة التي ساعدتني بتوفير ملابس الشتاء لأسرتي، معتبرة تعلم هذه الحرفة قيمة مضافة إلى دورها في خدمة عائلتها ومجتمعها، وبخاصة بالمناسبات الاجتماعية الخاصة بقدوم مولود جديد، إذ تقوم بتشكيل ملابس خاصة له، وتقدمها ويستمر العمل في إنجاز القطعة الواحدة نحو ثلاثين يوماً، ويزيد على ذلك في بعض الأحيان”. وتقول والسعادة تغمرها: لم يكن هناك في ذلك الوقت مراكز للتدريب، بل كانت نساء الحي تجتمعن كل يوم في بيت إحداهن للتعلم، مؤكدة أنها واجهات عقبات أثناء التدريب، لكن إصرارها وحبها لتعلم هذه الحرفة أخفى كل هذه العقبات”. وتضيف، أنها أنهت فترة التدريب، وبدأت بتطبيق ما تعلمته بحياكة وصناعة ملابس يدوية من الصوف لأبنائها، كما استطاعت تعليم بناتها حياكة الصوف، مستذكرة قطرات التعب التي سالت من جبينها خلال الفترة السابقة بأن “سنارة الصوف” القديمة التي هي من “سيخ ألمونيوم” أتعبت يديها، لكنها اليوم تعمل سنارة صوف مطاطية لا تتعب يدها حتى ولو عملت لمدة أسبوع كامل. ووجهت أم عدي، في ختام حديثها نصيحة إلى المرأة لتعلم هذه الحرفة التي تساهم في دعم نفسها والتسلية بها وتستمتع بتعلم التعامل مع الصوف، وإعداد الملابس الخاصة لها ولأبنائها. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان