نساء يعانين "عنفا اقتصاديا" يحرمهن التصرف برواتبهن

انفوغراف الغد
انفوغراف الغد
منى أبو حمور عمان- " لم أكن حتى أحتكم على بطاقتي البنكية.. وأعلم متى يحول الراتب عن طريق زملائي في العمل"، بهذه الكلمات شاركت دعاء محمد "الغد"، تفاصيل استحواذ زوجها على راتبها الشهري منذ أن بدأت العمل. عشرة أعوام كاملة لم تتوجه دعاء خلالها لصرف راتبها الشهري، إذ إن بطاقتها البنكية تبقى مع زوجها بشكل دائم والذي يعتبر دخلها الشهري حقا له باعتباره يسمح لها بالعمل. القصة حسب ما روتها دعاء ليس بأنه يحتفظ بالبطاقة البنكية فحسب. وإنما بساعات العمل الطويلة التي تعمل بها بواقع ستة أيام في الأسبوع ترافقها متطلبات أبنائها ومهامها المنزلية لينتهي بها المطاف نهاية الشهر "تعب دون مقابل". تقول "كنت أشعر بالضيق والإهانة كلما ذهبت إليه أطلب مصروفي الشخصي والمصيبة أنه بحاسبني على القرش". متابعة أن حتى خيار أن تترك العمل ليس متاحا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها أسرتها.

الحلم بصرف الراتب وإدارته

حال دعاء حال كثير من النساء اللواتي لا يملكن حق التصرف بدخولهن المالية التي يحققنها من خلال العمل بوظيفة أو حتى مشاريعهن الخاصة. وهو ما يحدث مع حليمة التي لا تملك حق التصرف بأي قرش يدخل عليها من عملها الخاص في بيع المنتجات الغذائية المنزلية، حيث تقوم بوضع كل ما تجنيه بيد زوجها. "ليس خوفا أو ضعفا وإنما الحرص على تماسك الأسرة وعدم تشتتها"، بهذه الكلمات بررت حليمة صمتها على استحواذ زوجها على ما تجنيه من أموال وإن كانت قليلة مقابل تعبها وشقائها طوال الأسبوع. "إما الراتب أو الطلاق إنت حرة اختاري"، تلك المقايضة التي قدمها زوج سيرين لها بعد أن رفضت أن تعطيه راتبها كاملا، مبينة أنها تعمل وتتعب من أجلها وأجل أبنائها وأن من حقها التصرف براتبها بالطريقة التي تجدها مناسبة. الغريب أن زوج سيرين لا يستحوذ على الراتب فحسب، وإنما يتبرأ من أي نفقات مالية اتجاهها باستثناء المواصلات ليضمن بقاءها بالعمل وعدم انقطاع الراتب. لم تكن مواجهة سيرين له سهله بعد أن رفضت أن تعطيه بطاقتها البنكية. وأصرت على أن هذا تعبها، ولكن كان المقابل الطلاق وترك أبنائها". متابعة في التفاصيل التي روتها أنها لم تكن تتقبل حتى التفكير بأنها تضحي ببيتها وأبنائها من أجل الراتب فلن يرحمها أحد حتى أهلها.

سطوة ذكورية

ليس الأزواج فقط من يستحوذون على رواتب زوجاتهن أو حتى يتحكمون في الإنفاق. فكثير من الفتيات ما يزلن يخضعن لسطوة الأب الذي يأخذ هو الآخر الراتب كاملا دون حتى أن يقدر التعب والجهد الذي تبذله ابنته. ولعل قصة سحر ياسين مختلفة، فما يزال والدها يرفض كل من يتقدم لخطبتها، وقد شارفت على البدء بالعقد الرابع من عمرها بحجة أن الراتب الذي تأخذه من حقه ولا يحق لأحد أن يأخذه منه. الكثير من الرجال تقدموا لسحر وفق قولها لـ"الغد"، إلا أن رد والدها واحد " ليس لدينا بنات للجيزة". وبحسبها،  لم تكن تعتقد يوما أن هذا الراتب سيصبح لعنة عليها وسيجعلها وحيدة طوال حياتها ومحرومة من أن تكون اسرة.

 العنف أنواع.. منها الاقتصادي

يعتبر العنف الاقتصادي من أشد أنواع العنف ضد المرأة ويؤدي في حالات كثيرة الى أنواع أخرى من العنف اللفظي والنفسي والجسدي والجنسي. خاصة العنف في إطار الأسرة، لا سيما وأن العنف الاقتصادي يؤدي الى انعدام الخيارات والفرص للنجاة من أنواع العنف الأخرى بسبب التبعية الاقتصادية، بحسب الناشطة بحقوق المرأة إنعام العشا. وتلفت العشا إلى أن العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات يتخذ شكلاً جديداً بظاهرة استيلاء الأزواج على رواتب الزوجات. واحيانا بطرق الابتزاز والخداع والاحتيال إن لم تكن بالإكراه، وقد وصل الأمر ببعضهم الى استلام بطاقات الصراف الآلي لسحب رواتب الزوجات فور تحويل الرواتب على حساباتهن. وتلفت العشا إلى قيام الكثير من الأزواج الذين يستولون على دخل زوجاتهن بالامتناع عن تغطية نفقاتها العلاجية والمعيشية واحتياجاتها الأساسية وهو شكل من أشكال العنف الاقتصادي ضدهن. وقد ينتهي هذا الأمر بالطلاق إذا أصرت الزوجة على موقفها بعدم التنازل عن مستحقاتها. وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني الى أن العنف الاقتصادي ضد النساء يمارس من خلال سلوكيات متعددة أبرزها السيطرة والحرمان والإكراه والمنع. ومن أمثلتها: السيطرة على المصاريف العائلية المعيشية ومصاريف الرفاهية، وإنكار الممتلكات والموارد الشخصية للنساء أو العمل على تناقصها كالحرمان من الميراث والعمل بلا أجر. كذلك التلاعب بالائتمان والقروض أو استخدامها بشكل يضر بالنساء، ومنع النساء من الوصول الحر الى المشاركة الاجتماعية والاقتصادية. فضلا عن المراقبة المالية والسيطرة الزائدة والتدقيق على النفقات، ورفض المساهمة الى جانب النساء في المصاريف المعيشية أو دفع المستحقات كالنفقة.

المرأة تعاني من غياب حق حرية التصرف بالراتي

الخبيرة الاقتصادية الدكتورة أمل عواودة تؤكد من خلال الدراسات التي أجريت أن "المرأة غير حرة التصرف في ممتلكاتها" وينعكس بمفهوم العنف الاقتصادي الذي يمنح المرأة القوة والسلطة في كافة القرارات التي تتعلق بها. وتلفت عواودة إلى أن مجرد حرمان المرأة من قرار التصرف بأموالها وممتلكاتها وراتبها قضية عنف واضحة جدا. وبينت أنه انتزاع لحقها في التصرف في المال الخاص بها وتمكينها اقتصاديا وحق تقرير مصيرها في الشأن الاقتصادي . وهذا ينعكس بشكل كبير في حصولها على الإرث والتملك، وعلى مهرها الذي يعتبر جزءا من التمكين الاقتصادي للمرأة. وتؤكد عواودة أن هذا العنف لا يمارس على الزوجات العاملات فحسب وإنما أيضا على الفتيات اللواتي يعتبرن مصدر دخل لأسرهن. ذلك يرفض أولياء الأمور زواج بناتهن للاحتفاظ بالدخل الذي تقدمه للأسرة وليبقى يستحوذ على رواتبهن. وتقول أن استمرار الاستحواذ على دخل المرأة وسلبها حق التصرف في أموالها يحول دون تمكينها اقتصاديا، وبالتالي ينعكس على منظومة تمكين المرأة في كافة المجالات.

سطوة ذكورية

يفسر المحامي الشرعي والناشط في حقوق المرأة الدكتور عاكف معايطة العنف الاقتصادي بأنه ممارسة سلطة الأب أو الزوج في الاسرة على الزوجة او البنت من خلال سلبها حقوقها المالية وحرية التصرف بها، لافتا إلى أنها تنتقص من حقوق المرأة. ويأسف معايطة لانتشار ظاهرة الاستحواذ على الدخل الشهري للنساء بين السيدات المتعلمات والمثقفات. لافتا إلى أنه لا مشكلة في التعاون والتعاضد في الاسرة ولكن لا يعني الاستحواذ الكامل على مصدر دخلها. ويؤكد معايطة أن أخذ راتب المرأة قسرا هو عنف اقتصادي، مبينا أن الذمة المالية المستقلة تحفظ حقوق وأملاك المرأة. وتنص المادة 59 من قانون الأحوال الشخصية على أنه :"أ- نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فنفقتها على زوجها ولو كانت موسرة. ب- نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكن والتطبيب بالقدر المعروف. ج- يلزم الزوج بدفع النفقة الى زوجته إذا امتنع عن الإنفاق عليها أو ثبت تقصيره". فيما نصت المادة 64 على أنه :"تفرض نفقة الزوجة بحسب حال الزوج يسراً أو عسراً، وتجوز زيادتها ونقصها تبعاً لحالته، على ألا تقل عن الحد الأدنى بقدر الضرورة من القوت والكسوة والسكن والتطبيب. وتلزم النفقة إما بتراضي الزوجين على قدر معين أو بحكم القاضي، وتسقط نفقة المدة التي سبقت التراضي أو الطلب من القاضي."اضافة اعلان